قال العباس: والله إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها لا تذكريها لاحد.
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة، وكان له صديقا، فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لابنه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش.
قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، وأبو جهل ابن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا. فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم، فقال أبو جهل: يا بني عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبية؟ قال: قلت: وما ذاك؟ قال: تلك الرؤيا التي رأت عاتكة. قال: قلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث.
فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شئ نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
قال العباس: فوالله ما كان منى إليه كبير شئ، إلا أنى جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا.
قال: ثم تفرقنا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت:
أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرة لشئ مما سمعت؟ قال: قلت: قد والله فعلت، ما كان منى إليه من كبير، وأيم الله لا تعرضن له، فإذا عاد لأكفيكنه.
قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب، أرى أنى قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه.
قال: فدخلت المسجد فرأيته، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به، وكان رجلا خفيفا حديد الوجه، حديد اللسان حديد النظر، قال: