الاسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم، وركب البراق وجاء بيت المقدس وصعد السماوات وعاين ما عاين حقيقة ويقظة لا مناما.
لعل هذا مراد عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ومراد من تابعها على ذلك، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام. والله أعلم.
تنبيه: ونحن لا ننكر وقوع منام قبل الاسراء طبق ما وقع بعد ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد تقدم مثل ذلك في حديث بدء الوحي، أنه رأى مثل ما وقع له يقظة مناما قبله، ليكون ذلك من باب الارهاص والتوطئة والتثبت والايناس. والله أعلم.
ثم قد اختلف العلماء في أن الاسراء والمعراج هل كانا في ليلة واحدة أو كل في ليلة على حدة؟ فمنهم من يزعم أن الاسراء في اليقظة، والمعراج في المنام.
وقد حكى المهلب بن أبي صفرة (1) في شرحه البخاري عن طائفة أنهم ذهبوا إلى أن الاسراء [وقع] مرتين، مرة بروحه مناما، ومرة ببدنه وروحه يقظة.
وقد حكاه الحافظ أبو القاسم السهيلي عن شيخه أبى بكر بن العربي الفقيه.
قال السهيلي: وهذا القول يجمع الأحاديث، فإن في حديث شريك عن أنس:
وذلك فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وقال في آخره: " ثم استيقظت فإذا أنا في الحجر " وهذا منام. ودل غيره على اليقظة.
ومنهم من يدعى تعدد الاسراء في اليقظة أيضا، حتى قال بعضهم: إنها أربع إسراءات. وزعم بعضهم أن بعضها كان بالمدينة.
وقد حاول الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله أن يوفق بين اختلاف ما وقع