ثم خرجت به حتى جاءت موضع المنبر، فاستناخت ثم تحللت، وثم عريش كانوا يعرشونه ويعمرونه ويتبردون فيه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فيه فآوى إلى الظل فأتاه أبو أيوب فقال: يا رسول الله إن منزلي أقرب المنازل إليك فأنقل رحلك إلى؟ قال: نعم. فذهب برحله إلى المنزل، ثم أتاه رجل فقال يا رسول الله أين تحل؟ قال: " إن الرجل مع رحله حيث كان " وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش اثنتي عشرة ليلة حتى بنى المسجد.
وهذه منقبة عظيمة لأبي أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه، حيث نزل في داره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روينا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنه لما قدم أبو أيوب البصرة، وكان ابن عباس نائبا عليها من جهة على ابن أبي طالب رضي الله عنه، فخرج له ابن عباس عن داره حتى أنزله فيها كما أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره، وملكه كل ما أغلق عليها بابها. ولما أراد الانصراف أعطاه ابن عباس عشرين ألفا، وأربعين عبدا.
وقد صارت دار أبى أيوب بعده إلى مولاه أفلح، فاشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام بألف دينار وأصلح ما وهي من بنيانها، ووهبها لأهل بيت فقراء من أهل المدينة.
وكذلك نزوله عليه السلام في دار بنى النجار واختيار الله له ذلك منقبة عظيمة، وقد كان في المدينة دور كثيرة تبلغ تسعا، كل دار محلة مستقلة بمساكنها ونخيلها وزروعها وأهلها، كل قبيلة من قبائلهم قد اجتمعوا في محلتهم وهي كالقرى المتلاصقة، فاختار الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم دار بنى مالك بن النجار.
* * *