وروى محمد بن إسحاق عن الزهري وعن محمد بن صالح، عن الشعبي أنهما قالا: أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم، ثم أرخوا من بنيان إبراهيم وإسماعيل البيت، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من الفيل، ثم أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة.
وقد ذكرنا هذا الفصل محررا بأسانيده وطرقه في السيرة العمرية ولله الحمد.
والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الاسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من المحرم فيما اشتهر عنهم. وهذا هو قول جمهور الأئمة.
وحكى السهيلي وغيره عن الامام مالك أنه قال: أول السنة الاسلامية ربيع الأول، لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[وقد استدل السهيلي على ذلك في موضع آخر بقوله تعالى: " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم " أي من أول يوم حلول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو أول يوم من التاريخ كما اتفق الصحابة على أول سنى التاريخ عام الهجرة] (1).
ولا شك أن هذا الذي قاله الامام مالك رحمه الله مناسب، ولكن العمل على خلافه، وذلك لان أول شهور العرب المحرم، فجعلوا السنة الأولى سنة الهجرة. وجعلوا أولها المحرم كما هو المعروف، لئلا يختلط النظام. والله أعلم.
* * * فنقول وبالله المستعان: استهلت سنة الهجرة المباركة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة، وقد بايع الأنصار بيعة العقبة الثانية كما قدمنا في أوسط أيام التشريق، وهي ليلة الثاني عشر من ذي الحجة قبل سنة الهجرة.
ثم رجع الأنصار وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة