وأما أهل السنة فمنهم من يغلو أيضا ويثبت لكل واحدة منهما من الفضائل ما هو معروف، ولكن تحملهم قوة التسنن على تفضيل عائشة لكونها ابنة الصديق، ولكونها أعلم من خديجة، فإنه لم يكن في الأمم مثل عائشة في حفظها وعلمها وفصاحتها وعقلها، ولم يكن الرسول يحب أحدا من نسائه كمحبته إياها، ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات، وروت بعده عنه عليه السلام علما جما كثيرا طيبا مباركا فيه، حتى قد ذكر كثير من الناس الحديث المشهور " خذوا شطر دينكم عن الحميراء ".
* * * الحق أن كلا منهما لها من الفضائل ما لو نظر الناظر فيه لبهره وحيره.
والأحسن التوقف في ذلك إلى الله عز وجل.
ومن ظهر له دليل يقطع به، أو يغلب على ظنه في هذا الباب، فذاك الذي يجب عليه أن يقول بما عنده من العلم.
ومن حصل له توقف في هذه المسألة أو في غيرها، فالطريق الأقوم والمسلك الأسلم أن يقول: الله أعلم.
وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم الترمذي والنسائي، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد " أي خير زمانهما.
وروى شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه قرة بن إياس، رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ".