ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس. الظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريما له وتعظيما عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين، لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه.
ولهذا كان كلما مر على واحد منهم يقول له جبريل عندما يتقدم ذاك للسلام عليه:
هذا فلان فسلم عليه.
فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده لما احتاج إلى تعرف بهم مرة ثانية.
ومما يدل على ذلك أنه قال: " فلما حانت الصلاة: أممتهم " ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر، فتقدمهم إماما بهم عن أمر جبريل، فيما يرويه عن ربه عز وجل.
فاستفاد بعضهم من هذا أن الامام الأعظم يقدم في الإمامة على رب المنزل، حيث كان بيت المقدس محلتهم ودار إقامتهم.
ثم خرج منه فركب البراق وعاد إلى مكة، فأصبح بها وهو في غاية الثبات السكينة والوقار.
* * * وقد عاين في تلك الليلة من الآيات والأمور التي لو رآها أو بعضها غيره لأصبح مندهشا أو طائش العقل.
ولكنه صلى الله وسلم أصبح واجما، أي ساكنا، يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى أن يبادروا إلى تكذيبه.
فتلطف بإخبارهم أولا بأنه جاء بيت المقدس في تلك الليلة.
وذلك أن أبا جهل لعنه الله، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو جالس واجم. فقال له: هل من خبر؟ فقال: نعم. فقال: وما هو؟