ثم قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " أي خيارا " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " أي وكما اخترنا لكم أفضل الجهات في صلاتكم وهديناكم إلى قبلة أبيكم إبراهيم والد الأنبياء، بعد التي كان يصلى بها موسى فمن قبله من المرسلين، كذلك جعلناكم خيار الأمم وخلاصة العالم وأشرف الطوائف وأكرم التالد والطارف، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس لاجماعهم عليكم وإشارتهم يومئذ بالفضيلة إليكم.
كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي سعيد مرفوعا، من استشهاد نوح بهذه الأمة يوم القيامة، وإذا استشهد بهم نوح مع تقدم زمانه فمن بعده بطريق الأولى والأحرى.
ثم قال تعالى مبينا حكمته في حلول نقمته بمن شك وارتاب بهذه الواقعة، وحلول نعمته على من صدق وتابع هذه الكائنة، فقال: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ". قال ابن عباس: إلا لنرى من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
" وإن كانت لكبيرة " أي وإن كانت هذه الكائنة لعظيمة الموقع كبيرة المحل شديدة الامر، إلا على الذي هدى الله، أي فهم مؤمنون بها مصدقون لها، لا يشكون ولا يرتابون، بل يرضون ويؤمنون ويعملون، لأنهم عبيد للحاكم العظيم، القادر المقتدر الحليم الخبير، اللطيف العليم.
وقوله: " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي بشرعته استقبال بيت المقدس والصلاة إليه: " إن الله بالناس لرءوف رحيم ".
والأحاديث والآثار في هذه كثيرة جدا يطول استقصاؤها، وذلك مبسوط في التفسير، وسنزيد بذلك بيانا في كتابنا " الاحكام الكبير ".