فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، للذي ذخر الله للأنصار.
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا (1) المدينة، فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها براجمه (2)، فشخبت يداه فما رقأ الدم حتى مات.
فرآه الطفيل بن عمرو في منامه في هيئة حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. قال: فما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي لن يصلح منك ما أفسدت!
قال: فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم وليديه فاغفر ".
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن سليمان ابن حرب به.
فإن قيل: فما الجمع بين هذا الحديث وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق الحسن، عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، فقال الله عز وجل عبدي بادرني بنفسه فحرمت عليه الجنة ".
فالجواب من وجوه:
أحدها: أنه قد يكون ذاك مشركا وهذا مؤمن.
ويكون قد جعل هذا الصنيع سببا مستقلا في دخوله النار، وإن كان شركه مستقلا إلا أنه نبه على هذا لتعتبر أمته.