قلت: ويحتمل أن يكونا جميعا اقتفيا الأثر. والله أعلم.
* * * وقد قال الله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا. فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم (1) ".
يقول تعالى مؤنبا لمن تخلف عن الجهاد مع الرسول: " إلا تنصروه " أنتم فإن الله ناصره ومؤيده ومظفره، كما نصره " إذ أخرجه الذين كفروا " من أهل مكة هاربا ليس معه غير صاحبه وصديقه أبى بكر ليس غيره.
ولهذا قال " ثاني اثنين إذ هما في الغار " أي وقد لجئا إلى الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام ليسكن الطلب عنهما.
وذلك لان المشركين حين فقدوهما كما تقدم ذهبوا في طلبهما كل مذهب من سائر الجهات، وجعلوا لمن ردهما، أو أحدهما مائة من الإبل، واقتصوا آثارهما حتى اختلط عليهم، وكان الذي يقتص الأثر لقريش سراقة بن مالك بن جعشم كما تقدم، فصعدوا الجبل الذي هما فيه، وجعلوا يمرون على باب الغار، فتحاذي أرجلهم لباب الغار ولا يرونهما، حفظا من الله لهما.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، أنبأنا ثابت، عن أنس بن مالك، أن أبا بكر حدثه، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه.