فذكرت ما كان من رده لأبي بكر إلى مكة وجواره له. كما قدمناه عند هجرة الحبشة إلى قوله: فقال أبو بكر: فإني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله.
قالت: والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: " إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين " وهما الحرتان.
فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع بعض من كان هاجر قبل الحبشة إلى المدينة.
وتجهز أبو بكر مهاجرا قبل المدينة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم.
فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر، وهو الخبط، أربعة أشهر، وذكر بعضهم أنه علفهما ستة أشهر.
قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر في حر الظهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبى أمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر!
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له، فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج من عندك. فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله.
قال: فإنه قد أذن لي في الخروج. فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت أمي! قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم.
قال أبو بكر: فخذ أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن.