الزبير: وأنت ههنا يا بن واثلة؟ فقال: نعم أنا ههنا يا بن الزبير؟ فاتق (1) الله ولا تكن ممن (إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) (2). قال: أفلا تسمع إلى كلام هذا الرجل الذي يضرب لي الأمثال ويأتيني بالمقاييس؟ فقال عبد الله بن هانئ:
(إني عذب بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) (3). قال: فازداد غضب ابن الزبير ثم [قال] لأصحابه: ادفعوهم عني، فإنهم بئس العصابة.
قال: فأخرجوا من بين يديه وأقبلوا إلى محمد ابن الحنفية فأخبروه بما كان بينهم وبين ابن الزبير، فقال لهم: جزاكم الله عني من قوم خير الجزاء! أما! إني أتقي عليكم من هذا المسرف على نفسه، وأرى لكم من الرأي أن تعتزلوني وتكونوا قريبا مني إلى أن تنظروا ما يكون من عاقبة أمري وأمره، فإني أكره أن تكونوا معي ولعله ينالكم منه أمر أغتم لكم منه. قال: فقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني.
جعلت فداك يا بن أمير المؤمنين! والله ما أنطق إلا بما في قلبي، ولا أخبر إلا عن نفسي، وأنا أشهد الله في وقتي هذا أني قد رضيت أن أقتل إن قتلت، وأن أؤسر إن أسرت، وأن أحبس إن حبست، وأن أشبع إن شبعت، وأن أجوع إن جعت، وأن أظمأ إن ظمئت، ولا والله لا أفارقك في عسر ولا يسر ولا ضيق ولا جهد ما أردتني وقبلتني! أرى لك ذلك علي فرضا واجبا وحقا لازما، وما لا أبغي به منك جزاء وإكراما، ولا أريد بذلك إلا ثواب الله والدار الآخرة ودفع الظلم عن أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: ثم وثب معاذ بن هانئ الكندي فقال: جعلت فداك! نحن شيعتك وشيعة أبيك من قبلك، نؤاسيك بأنفسنا، ونقيك بأيدينا، ونحن معك على الخوف والأمن والخصب والجدب، إلى أن يأتيك الله تبارك وتعالى بالفرج من عنده، غضب ابن الزبير بذلك أم رضي.
قال: فقال محمد ابن الحنفية: إن قدرتم على ذلك فأنا أستأنس بكم، وإن عرضت لكم مآرب وأشغال (4) فأنتم في أوسع العذر.