الحنفية وهو يومئذ بمكة، وهو جالس في نفر من شيعته يحدثهم ويقول لهم: ألا ترون إلى المختار بن [أبي] عبيد يزعم أن محب لنا، وأنه من شيعتنا، وأنه يطلب بدماء أهل البيت، وقتلة الحسين بن علي جلوس على الكراسي يحدثهم ويحدثونه، حتى لقد بلغني عن عمر بن سعد وابنه حفص أنهما يغدوان إليه ويروحان - والله المستعان -. قال: فما خرجت الكلمة من فيه حينا إلا وكتاب المختار قد وافاه مع الرأسين والمال، فلما وضعت الرأسان بين يديه وقرأ الكتاب حول وجهه إلى القبلة وخر ساجدا، ثم رفع رأسه وبسط كفيه وقال: اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار!
اللهم واجز به عن أهل بيت نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير الجزاء! فو الله ما على المختار بعد هذا من عتب! قال: ثم أخذ ذلك المال ففرق منه بمكة ما فرق، ووجه بالباقي إلى المدينة ففرق في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم من أولاد المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم أجمعين -.
ذكر ما جرى بين محمد ابن الحنفية وعبد الله بن الزبير وما كان في أمر البيعة وما كان بينهم من العداوة والبغضاء قال: ونظر عبد الله بن الزبير إلى المختار وغلبته وغلبته على البلاد فعلم أنه إنما يفعل ذلك بظهر محمد ابن الحنفية، فأرسل إليه أن هلم فبايع فإن الناس قد بايعوا، فأرسل إليه ابن الحنفية: إذا لم يبق أحد من الناس غيري أبايعك، قال: فأبى ابن الزبير أن يتركه وأبى ابن الحنفية أن يبايع، وجرى بينهم كلام كثير، فأرسل ابن الزبير إلى نفر من أصحاب ابن الحنفية فدعاهم ثم قال لهم: إني أراكم لا تفارقون هذا الرجل، فمن أنتم فإني لا أعرفكم؟ فقالوا: نحن قوم من أهل الكوفة (1)، قال:
فما يمنعكم من بيعتي وقد بايعني أهل بلدكم؟ لعله قد غركم هذا المختار الكذاب!
فقالوا: يا هذا! ما لنا وللمختار، إننا لو أردنا أن نكون مع المختار لما قدمنا هذه البلدة، نحن قوم قد اعتزلنا أمور الناس وأتينا هذا الحرم، فنزلناه لكيلا نقتل ولا نقتل ولا نؤذي ولا نؤذى، فنحن ههنا مقيمون عند هذا الرجل محمد بن علي، فإذا اجتمعت الأمة على رجل واحد دخلنا فيما دخل فيه الناس. قال: فقال عبد الله بن