وجميع ما يحتاجون إليه، فظل القوم يومهم ذلك والثاني مخصبين لا يحتاجون إلى شيء من ذلك السوق الذي خرج إليهم.
فلما كان اليوم الثالث نادى فيهم سليمان بن صرد بالرحيل، فرحل الناس وخرج إليهم صاحب قرقيسيا زفر بن الحارث، فجعل يسايرهم ساعة ثم أقبل على سليمان بن صرد ومن معه من الرؤساء فقال: إني لأرى لكم خيلا عتاقا ورجالا هينة حسنة قل ما رأيت مثلها غير (1) أني أخبركم أن هذا اللعين عبيد الله بن زياد قد ترك الرقة لما بلغه من مسيركم إلى ما قبله، وقد وجه نحوكم بخمسة من قواده، منهم:
الحصين بن نمير السكوني وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري وأدهم بن محرز الباهلي وربيعة بن المخارق الغنوي (2) وحملة (3) بن عبد الله الخثعمي، وقد أتوكم بالشوك والشجر وفي عدة لا طاقة لكم بها. قال فقال سليمان: على الله توكلنا وعلى الله فليتوكل المتوكلون. فقال زفر بن الحارث: نعم ما قلت! ولكن هل أدلكم على أمر أعرضه عليكم لعل الله تبارك وتعالى يجعل لنا ولكم فيه فرجا؟ فقال سليمان:
وما ذلك؟ فقال: إن شئتم فتحنا لكم باب مدينتنا فتدخلونها فيكون أمرنا وأمركم واحدا (4) وأيدينا وأيديكم على القوم واحدة، وإن شئتم نزلتم على باب مدينتنا ونعسكر نحن إلى جانبكم، فإذا جاء هذا العدو قاتلناه جميعا، فعسى الله تبارك وتعالى أن يظفركم. قال فقال سليمان: إنه قد عرض علينا هذا أهل مصرنا بالكوفة فلم نفعل وكتب بذلك إلينا فأبينا، فقال زفر: أما إذا أبيتم ذلك فافهموا عني ما أقول لكم فإني عدو للقوم لخصال شتى، وأنا أحب أن يجعل الله الدائرة عليهم وأنا لكم محب، وأحب أن يحفظكم الله بالعافية، فاسمعوا مشورتي عليكم وأقبلوها مني فإنها مشورة ناصح ودود، واعلموا (5) أن القوم قد فصلوا من الرقة إلى ما قبلكم أربعمائة فارس من أشد فرسان عسكره، وقال له: سر حتى تلقى أول عسكره، فإذا عاينتهم فاحمل عليهم بمن معك من أصحاب هؤلاء حملة ترعب بها قلوبهم.
قال: فسار المسيب في أصحابه الذين معه حتى إذا أصبح الصباح وأشرف