لن تبقى لكم دارا. قال: ثم تقدم صخر (1) بن حذيفة هذا وهو يرتجز ويقول:
بؤسا لقوم قتلوا حسينا * بؤسا وتعسا لهم وحينا أرضوا يزيد ثم لاقوا شينا * ولم يخافوا بغيهم علينا ثم حمل وحمل معه قومه وعشيرته، فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل منهم جماعة. قال: فناداه قوم من أهل الشام: من أنت ويلك خبرنا باسمك ونسبك؟
فقال: يا بقية القاسطين! أنا من بني آدم، فقالوا: كلنا من بني آدم، فمن أنت منهم؟ فقال: لا أحب أن أعرفكم نفسي يا محرقي البيت الحرام! قال: ثم جعل يرتجز ويقول:
إني إلى الله من الذنب أفر * أنوي ثواب الله فيمن قد أسر وأضرب القرن بمصقول (2) بتر * ولا أبالي كلما كان قدر قال: ثم حمل عليهم، فأحدقوا به فقتلوه، ثم عرف بعد ذلك فقال رجل من أهل الشام: هذا عبيد الله بن عبيد الرافعي (3)، هذا فارس مزينة قاطبة.
قال: فعندها عزم أهل العراق على التنحي من أيدي أهل الشام، ثم إنهم دفنوا قتلاهم في جوف الليل وسووا عليهم الأرض لكي لا يعرفوا، وخرج القوم ليلا يريدون العراق، فكانوا لا يمرون بجسر إلا جازوا عليه وقطعوه، ولا يجوزون على قنطرة إلا كسروها وغوروها (4).
قال: فأصبح أهل الشام فلم يروا منهم أحدا فخبروا بذلك أميرهم الحصين بن نمير السكوني فلم يبعث في طلبهم حتى وصلوا إلى قرقيسيا، فأقاموا بها أياما واستراحوا، ثم ساروا منها إلى هيت، وقد مات منهم في الطريق جماعة. قال:
فخرج إليهم عبد الله بن يزيد الأنصاري أمير الكوفة فاستقبلهم وعزاهم.