ذلك عمر (1) بن سعد بن أبي وقاص، فأقبل ومعه نفر من أصحابه (2) حتى دخل على عبد الله (3) بن يزيد فقال: أيها الأمير! إن المختار بن أبي عبيد صاحب فتنة، وقد بلغني أن قوما من هؤلاء الترابية يختلفون إليه ولست آمنه، فابعث إليه الساعة فخذه وخلده السجن، فإنك لا تقوى به. فأرسل عبد الله (3) بن يزيد إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة فخبره بذلك، فركب من ساعته في جماعة من خاصته وأعوانه حتى صار إلى دار المختار ثم قال: اهجموا عليه فأخرجوه، فقال له إبراهيم بن محمد:
يا بن أبي عبيد: ما هذا الذي يبلغنا عنك؟ فقال المختار: كل ما (4) بلغكم عني فإنه باطل وزور. قال: وأقبل عمر (5) بن سعد على فرس له حتى وقف على المختار وقد أخرج من منزله، فقال لإبراهيم بن محمد بن طلحة: أيها الرجل! هذا رجل يريد أن يخرج عليكم في مصركم هذه فيفسد عليكم البلد، فأوثقوه بالحديد وخلدوه السجن إلى أن يستقيم للناس الأمر (6). قال: وإذا رسول الأمير عبد الله بن يزيد قد أقبل إلى إبراهيم فقال: يقول لك الأمير: شد المختار كتافا وامض به إلى السجن حافيا! قال: فقال إبراهيم بن طلحة للرسول: يا هذا! ولم هذا؟ والله ما هذا جزاؤه من أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير وقد أبلى بين يديه البلاء الحسن وقاتل القتال الشديد! فلما ذا يشده كتافا ويسوقه إلى السجن حافيا ولم ير منه بعد إلا حسنا، وإنما أخذناه على التهمة والظن (7). قال: ثم أمر به إبراهيم بن محمد السجن فحبس (8).
ومشى قوم من وجوه أهل الكوفة إلى عبد الله بن يزيد فقالوا: أيها الأمير! إن المختار بن أبي عبيد رجل من شيعة آل محمد عليه السلام وأنت عارف به قديما وحديثا، وإنما قدم علينا لأنه رأى أمن أمير المؤمنين حفوة فأحب أن يكون في ناحيتنا، ولم (9) يظهر لنا ولا لك عداوة منه ولا حربا، فإن رأى الأمير أن يشفعنا فيه!