كيف تركتهم بالكوفة؟ فقال: تركتهم والله وقد استوسقوا لصاحبك هذا عبد الله بن الزبير، ولو كان لهم رجل يجمعهم على رأيهم لأكل بهم الأرض. قال: فقال له المختار: لا عليك يا أخا همدان، فأنا والله أجمعهم على الحق (1)، وأنفي بهم الباطل (2)، وأقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء الله ولا قوة إلا بالله. قال: فقال له هانئ بن [أبي -] حية: ويحك يا أبا إسحاق (3)! اتق الله ولا توضع في الضلال والفتنة، فإن صاحب الفتنة هو أقرب شيء أجلا وأسوأ الناس عملا. قال: فقال له المختار: سبحان الله يا أخا همدان! ما لي وللفتنة! إنما أدعو إلى الطاعة (4) والجماعة، ولكن خبرني عن سليمان بن صرد وأصحابه هل شخص إلى قتال المحلين؟ قال: لا، ولكنه عازم على ذلك. قال: فسكت المختار ثم انصرف إلى منزله، فلما كان الليل وثب فاستوى على فرسه وخرج من مكة بغير علم من عبد الله بن الزبير، فلم يصبح إلا على مرحلتين من مكة، ثم سار مجدا يريد الكوفة، حتى إذا صار بالقرعاء (5) وجده رجل من أهل الكوفة يقال له سلمة بن مرثد (6)، فسلم عليه المختار وقال: من أين أقبلت يا سلمة؟ قال: أقبلت من الكوفة، قال: فكيف خلفت بها أهلها؟ فقال: خلفتهم والله كغنم رعاء تهادوا وتمردوا، [فقال له المختار بن أبي عبيد: أنا الذي أحسن رعايتها وأبلغ نهايتها -] (7)، فقال له سلمة: يا بن أبي عبيد! اتق الله فإنك ميت ومبعوث ومحاسب ومجزي بعملك من خير وشر. قال: ثم افترقا، وسار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة (8) وذلك في يوم الجمعة، فنزل واغتسل فيه، ثم لبس ثيابه واعتم بعمامته وتقلد بسيفه، ثم ركب وأقبل حتى دخل الكوفة نهارا، فجعل يمر على مجالس القوم ويقف عليهم ويسلم ويقول لهم: أبشروا بالفرج! فقد جئناكم بما تحبون وأنا المسلط على الفاسقين والطالب بدماء أهل بيت نبي رب العالمين. ثم
(٢٠٧)