أنصفتنا في الحرب يا عبيده * أثبت فإن غايتي بعيده وعدتي إن ترمها شديده وجمرتي يوم الوغى شديده * كم من وعيد لك في قصيدة إن الوعيد غاية الوليدة ثم التقيا جميعا الأعلم العبدي وعبيدة بن هلال فتضاربا بسيفهما ساعة ثم افترقا.
قال: وصاح قطري بن الفجاءة أن يا معشر المهاجرين! إن الليل أخو الهول، فاثبتوا لحرب هؤلاء المحلين. قال: فاضطرب القوم اضطرابا شديدا ليلتهم تلك، حتى إذا أصبحوا انهزم أصحاب ابن معمر هزيمة قبيحة وأخذتهم سيوف الأزارقة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم زحفوا إلى سواد ابن معمر فاستباحوه وأخذوا جميع ما فيه، ثم رجعوا إلى سابور بالغنائم.
قال: وأقبل ابن معمر إلى أصحابه فقال: يا أهل البصرة! (1) لو كنتم تقاتلون معي كقتالكم مع المهلب إذا لبلغت الذي أريد من حرب هذا العدو، ولكنكم تقولون (2): هذا رجل حجازي، خيره لغيرنا وشره علينا، وأيم الله! لقد أردت أن أكتب فيكم إلي أمير المؤمنين فأشكوكم إليه، لكني كرهت أن يتمادى بكم اللجاج ويتمادى بي الغضب.
قال: فقام إليه عمران بن عصام العنبري فقال: أيها الأمير! إن المهلب كان يقاتل بنا قتال الصعلوك ويسوسنا سياسة الملوك، حتى سكنا إليه في الليل وآنسنا به في النهار. قال: فغضب ابن معمر من قول العنبري ثم دعا بدفتر الجند فحلق على اسمه، فتركه العنبري وصار إلى المهلب فحدثه بالقصة على جهتها، فقربه المهلب وأدناه وزاد في الكرامة.
قال: وبلغ أهل البصرة ما قتل منهم فاغتموا لذلك، قال: وطمعت الأزارقة بعد هذه الوقعة في أخذ البصرة وغيرها، وندم مصعب بن الزبير على عزل المهلب وتوليته ابن معمر (3)، وعلم أن لا يقوم بحرب الأزارقة غير المهلب لأنه قد ذاقهم