فجعل مسلمة يحاربهم أياما كثيرة وليال، وهو في ذلك لا يقدر عليها ولا يطمع فيها لحصانتها ووثاقة سورها، لأن سورها إنما كان من بناء أنو شروان بن قباذ بن فيروز ملك فارس مما يبنى في الدهر الأول.
قال: فبينا مسلمة كذلك وإذا برجل من الخزر قد أقبل إليه خوفا على نفسه وأهله وولده، فقال: أيها الأمير! إني قد أقبلت إليك راغبا في دينك، أريد الدخول في الإسلام على أن تجعل لي معاشا أعيش به أنا وعيالي وأدلك على موضع تدخل منه أصحابك إلى هذه المدينة! قال: فضمن له مسلمة أن يعطيه ما أراد، فأسلم الخزري ووجه معه مسلمة بألف رجل من أشد أصحابه، وذلك في أول الليل.
قال: وجعل (1) أصحاب مسلمة يسيرون وذلك الخزري بين أيديهم حتى صعد بهم الجبل من ناحية الوادي، ثم أحدر هم إلى موضع من السور قد كان (2) أهل الباب آمنون من ذلك الموضع، لا يخافون أن يؤتون منه. قال: فجعل الخزري يداخل الرجل بعد الرجل من المسلمين حتى أدخل بعضهم. قال: وبادرتهم أهل الباب من داخل المدينة ووقعت الصيحة فاجتمعوا على المسلمين، واقتتل الناس في ليلتهم تلك قتالا شديدا حتى كاد يسمع وقع السيوف على البيض والدرق كوقع الحديد بعضه على بعض، حتى إذا كان وقت السحر رفع المسلمون أصواتهم بالتكبير، وصاح رجل من عسكر مسلمة: ألا إنه الظفر ورب الكعبة! قال: وركب مسلمة في المسلمين ليعينوا إخوانهم، وفتحت الخزر بابا من أبواب المدينة وخرجوا هاربين على وجوههم، وصارت المدينة ونساؤهم في أيديهم وأولادهم.
قال: وعزم مسلمة على هدم سور المدينة، فقال له بعض أصحابه: لا تهدم هذا السور، فلعلنا نحتاج إلى هذه المدينة فتريد أن تكلفنا بناء هذا السور بالمؤنة الكثيرة، ولعلنا لا نبلغ من إحكامه ما نريد! فقال مسلمة: صدقت، ولكني حلفت أن أهدمه ولا بد لي من ذلك! فقال: فأهدم بعضه واترك بعضه، قال: فأمر مسلمة بهدم بعض السور لمكان يمينه.