المهلب إلى منزله (1) وهو يقول: إني لأرى أمرا ضائعا.
قال: وجمع خالد بن عبد الله ما أراد من المال والسلاح وما يحتاج إليه من آلة الحرب، فحمل ذلك كله في السفن وعلى الظهر في الآلة والسلاح الشاك، فاقتتل القوم قتالا شديدا، وانهزم خالد بن عبد الله وسلمت سفنه بجميع ما فيها من مال وسلاح، ثم ملؤها (2) قصبا وأشعلوا فيها النار وأطلقوها، فأقبلت السفن تهوي والنار ملتهبة فيها كأنه الجبال. قال: وصاحت الأزارقة: يا خالد! يا مفلس! يا مخذول! ذهبت أموالك وبقيت فضيحتك، قال: فأنشأ كعب بن معدان الأشقري (3) يقول أبياتا مطلعها:
أيا ابن أسيد لست ممن ترومهم * فخلهم من يومهم للمهلب إلى آخرها.
قال: وأقبل رجل من الأزد إلى المهلب فقال له: أبا سعيد! ما يقعدك فقد بلغت الأزارقة إلى فسطاط مازن؟ قال: فتبسم المهلب ثم قال: قد كنت أرى هذا بعينه: قال: ثم دعا المهلب بابنه يزيد، فقال له: يا بني ناد في قومك واخرج إلى القوم فإني لا حق بك إن شاء اله تعالى ولا قوة إلا بالله. قال: فخرج يزيد بن المهلب فنادى في قومه من الأزد، فأجابوه سراعا، فخرج في خمسمائة (4) رجل [من] بيته وسائر قومه، فالتقى القوم فاقتتلوا ساعة (5)، وانهزمت الأزارقة من بين يدي المهلب وأصحابه حتى صاروا إلى الأهواز فنزلوها، فأنشأ صاحبهم قطري بن الفجاءة يقول:
ألم يأتها أني لعبت بخالد * وجاوزت حد اللعب لو لا المهلب (6) وإنا أخذنا ماله وسلاحه * وسقنا له نيرانها تتلهب فلم يبق منه غير مهجة نفسه * وقد كان منه الموت شبرا وأقرب