والله أعلم. وأقبل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم حتى وقف حذاء عبد الله بن الزبير، فنظره مصلوبا منكسا فتأمله ساعة وبكى واستغفر له وقال: والله يا ابن الزبير لئن علتك رجلاك اليوم فطال ما قمت عليها في ظل الليل بين يدي ربك، وإني لأسمع قوما يزعمون أنك شر هذه الأمة، ولقد أفلحت أمة أنت شرها.
قال: وانصرف عبد الله بن عمر إلى منزله، وأقبلت إليه أمه في اليوم الثالث حتى وقفت قبالته ثم بكت وقالت: اللهم! إني راضية عنه فارض عنه، ثم أقبلت حتى دخلت على الحجاج (1) فوقف عليه ثم قالت: يا حجاج! أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال الحجاج: أما روحه فإلى مالك، وأما جثمانه ففي طريق البلاء.
فقالت: كذبت يا حجاج! إن الله تبارك وتعالى في ذلك أعدل من أن يجمع على ابني سيف القاسطين وثأر الظالمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في أمتي رجلان:
أفاك ومبير (2)، فأما الأفاك فصاحبك عبد الملك بن مروان، وأما المبير فأنت يا حجاج! فقال: صدقت يا أسماء أنا مبير المنافق، فقالت: علمك شاهد عليك!
ثم ولت وهي باكية، فرق لها الحجاج وأمر بابن الزبير فنزل عن خشبته وحمل إليها، فأمرت به فصب عليه الماء وحنط وكفن وصلي عليه ودفن.
قال: وهرب عروة بن الزبير من الحجاج فصار إلى عبد الملك بن مروان مستأمنا إليه فآمنه وأكرمه، وبلغ ذلك الحجاج فكتب إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد يا أمير المؤمنين! فإن عامة أموال عبد الله بن الزبير عند أخيه عروة وقد التجأ إلى أمير المؤمنين، ولست أقدر على شيء من أموال عبد الله إلى أن يوجه لي أمير المؤمنين بعروة من الزبير - والسلام -. قال: فهم عبد الملك بن مروان أن يسلم عروة بن الزبير إلى الحجاج (3)، ثم إنه استحيا من ذلك وتذمم أن يكون يسلم رجلا قد التجأ إليه،