أصحابك شاهدا ولا غائبا، ولا يبدو لك منا شيء من المكروه، ولعمري! لئن نحن ألجأناك إلى الذهاب في الأرض الواسعة فقد ظلمناك وجفوناك وقطعنا رحمك، وما أنت لذلك بأهل لفضلك وإسلامك وحقك وقرابتك، فهلم إلي حين تقرأ كتابي إن شئت ذلك إلى الرحب والسعة والأثرة وحسن المنزلة - والسلام عليك ورحمة الله وبركاته -.
قال: وجعل عبد الملك بن مروان يقول لمن عنده: وما سبيلنا على ابن الحنفية، فقد والله سلم وغنم، ودارت لنا رحاها واضطرب بنا أمواجها.
قال: فلما ورد كتاب عبد الملك بن مروان على ابن الحنفية وقرأه، أقبل إلى الحجاج فبايع لعبد الملك بن مروان.
ثم تهيأ الحجاج للرحيل إلى الشام إلى عبد الملك بن مروان، واستخلف على مكة رجلا من قبله ثم تجهز، وخرج معه ابن الحنفية، فقال الحجاج: يا بن الحنفية! انظر إذا قدمت على أمير المؤمنين أن تثني علي بما رأيت مني! فقال:
أفعل ذلك إن شاء الله تعالى.
قال: فلما قدم الحجاج على عبد الملك بن مروان ومعه ابن الحنفية دخل الحاجب فأعلمه بذلك، قال: فأذن عبد الملك بن مروان لمحمد ابن الحنفية قبل الحجاج فدخل، فلما رآه عبد الملك بن مروان قال: مرحبا بك وبقرابتك وبحقك!
إلى ههنا إلى ههنا! ثم أدناه وأجلسه معه على سريره، وأقبل عليه يسأله ويحدثه ساعة، ثم أذن للحجاج بعد ذلك فدخل، فلما نظر ابن الحنفية جالسا مع عبد الملك بن مروان حسده على ذلك وشق عليه ما رأى من إقبال عبد الملك بن مروان عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! والله لقد أردت أن أضرب عنقه لو لا ما كنت قدمت إلي فيه، فقال له ابن الحنفية: أما والله يا حجاج! فبذراعك وعدتك وباعك وقوتك ورهطك فلا، وكان مثلك الذي يقدر على مثلي دون أن تراق الدماء، ولكن بذراع هذا وقوته وسلطانه نلت ما نلت. فقال عبد الملك بن مروان - رحمه الله -: صدقت! لعمري هو كما تقول يا أبا القاسم! ثم أقبل عبد الملك بن مروان على الحجاج فقال: مهلا يا حجاج! لا تسمعن أبا القاسم بعدها سوءا فلست له بكفء! فقال ابن الحنفية: أريد منك يا أمير المؤمنين أن ينزع عني سلطانه، فلا يكون لمثله علي سلطان! فقال عبد الملك بن مروان: لا سلطان له ولا لأحد من