قال: فعندها قام الحجاج فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أعوان الحق! إن الله تبارك وتعالى قد أعزكم بالطاعة، وخصكم بها دون غيركم، وقد علمتم ما عليه عبد الله بن الزبير بن شق العصا والخلاف على أمير المؤمنين، وقد ألحق في الحرم وسفك فيه الدم، ونحن سائرون إليه غدا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: فلما كان الغد نادى الحجاج في الناس بالرحيل نحو مكة وذلك يوم الثلاثاء، وأقبل حتى نزل بالأبطح (1). وبلغ ذلك عبد الله بن الزبير، فخرج إليه في أهل مكة وغيرهم ممن بايعه قبل ذلك، ودنا القوم بعضهم من بعض، فاقتتلوا يومهم، فلما أمسوا انصرف الحجاج إلى بئر ميمون بن سعيد الحضرمي فنزل هنالك، وانصرف عنه عبد الله بن الزبير. فلما كان من الغد زحف (2) القوم بعضهم إلى بعض فاقتتلوا، ودام الحرب بينهم أياما كثيرة.
وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكتب إلى الحجاج: أما بعد فقد بلغني ما كان من محاربتك لعبد الله بن الزبير، فإذا ورد عليك كتابي هذا فابعث إليه واسأله الدخول في طاعتي وأعطه الأمان، فإن هو قبل ذلك فاحمله إلي مكرما، وإن أبى فجد في حربه، ولا تقصرن فيما كتبت به إليك - والسلام -.
فلما ورد كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج وقرأه بعث به إلى عبد الله بن الزبير، قال: فقرأ عبد الله بن الزبير كتاب عبد الملك بن مروان، فأقبل حتى دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأخبر بما كتب به عبد الملك بن مروان إلى الحجاج، فقالت له أمه: يا بني! إنك قد ناديت القوم بالمنافرة وأسرعت لهم المدافعة، وغير هذا كان أخصب جنابا لعيشك، فأما إذ كنت لا تريد أن تكون ذنبا لبني أمية فاجعل الثقة بالله حشو قلبك ولا تحتجرن على بغي يوبقك مصدره - والسلام -. قال: فقال عبد الله: أحسنت يا أماه! وفقك الله وسددك، فقد