قال: فلما نظر عبد الله بن الزبير إلى ما نزل ببيت الله الحرام خرج إلى القوم في أصحابه، فجعل يقاتل حتى قتل من القوم جماعة، ثم حمل عليه أصحاب الحجاج حتى ألجأوه إلى المسجد الحرام، وأمر الحجاج فأخذت الأبواب على عبد الله بن الزبير.
قال: فعندها التفت عبد الله بن الزبير إلى أصحابه وهم أقل من ثلاثمائة رجل فقال: من منكم يكره الموت فليلحق بالقوم وهو في حل من بيعتي! فقال له عبد الله بن مطيع العدوي: لا والله ما كنت أفعل ذلك ولم يتحدث العرب عني بهذا أبدا فقال له عبد الله بن الزبير: وصلتك رحم يا بن أخ. قال: ثم أقبل عليه عبد الله بن عمير الليثي فقال: يا بن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! لا والله! لا كان ذلك أبدا.
قال: فعندها خرج عبد الله بن الزبير إلى القوم فجعل يحمل عليهم، فقتل الواحد بعد الواحد قتل منهم جماعة، وقتل من أصحابه أيضا كذلك. قال: وجعل عبيد الله بن مطيع يكر على أصحاب حجاج وهو يرتجز ويقول:
أنا الذي فررت يوم الحرة * والألح لا يهرب (1) إلا مرة ما أحسن الكرة بعد الفرة * وأقبح الفرة بعد الكرة (2) قال: فلم يزل القوم على ذلك حتى أمسوا، وأمر الحجاج أصحابه أن لا يزالوا عن أبواب المسجد وأن يحرسوا عبد الله بن الزبير لكيلا يهرب. قال: وجعل عبد الله بن الزبير يطوف ليلته تلك بالبيت الحرام، وأخوه عروة يطوف معه وهو يقول: يا أمير المؤمنين! أنشدك الله في نفسك أن تتلفها، فقد قضيت ما عليك، وقد قاتلت حتى أبليت عذارا. قال: وعبد الله بن الزبير ساكت (3) لا يجيبه بشيء، حتى إذا أسفر الصبح تقدم إلى المقام فأذن وصلى بمن بقي معه من أصحابه فقرأ بهم الركعة الأولى بأم الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بأم الكتاب وسورة الإخلاص (4).
فلما انفتل من صلاته وثب فخرج من باب المسجد مناوشا لأصحاب الحجاج