قدحت عن شعل الحزم لما جعل الله عندك من وفور البصيرة، أما إنهم لو كانوا يطلبون مني ما يطلبون لإصلاح الأمة وتثبيت الألفة إذا لأجبتهم إلى ما يريدون ولو كان فيه موتي وفرجي وذهاب نفسي، ولكني رأيتهم قد شنوا علي مغار التعدي وسعوا إلي في سنن الظلم والعدوان، وفي موادعتي إياهم ذم العرب وعار الأبد، ولكني أقاتلهم في الله محتسبا، فإن أبلغ بقتالي إياهم ظفرا فذاك الذي أريد، فإنما طلبت العدل للرعية، وإن تؤخرني الأسباب فلا أكون صريع الارتياب.
قال: وعلم الحجاج أن ابن الزبير ليس يجيبه إلى شيء، فأمر أصحابه فتفرقوا عليه من كل وجه: من ذي طوى، ومن أسفل مكة، ومن قبل الأبطح، فاشتد الحصار على عبد الله بن الزبير وأصحابه، فنصبوا المجانيق (1) وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة، وهم يرتجزون بالأشعار (2). قال: وجعلت الحجارة لا تهد لكنها تقع في المسجد الحرام كالمطر، وكان (3) رماة المنجنيق إذا هم ونوا وسكتوا ساعة فلم يرموا يبعث إليهم الحجاج فيشتمهم ويتهددهم بالقتل، فأنشأ بعضهم يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
لعمر أبي الحجاج لو خفت ما أرى * من الأمر ما أمست تعذلني نفسي إلى آخرها. قال: فلم يزل الحجاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتى انصدع الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره. قال: وانتقضت الكعبة من جوانبها. قال: ثم أمرهم الحجاج فرموا بكيزان النفط والنار، حتى احترقت الستارات كلها فصارت رمادا، والحجاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات، وهو يرتجز ويقول:
أما تراها ساطعا غبارها * والله فيما يزعمون جارها فقد وهت وصدعت أحجارها * ونفرت منها معا أطيارها وحان من كعبته دمارها * وحرقت منها معا أستارها لما علاها نفطها ونارها