يرمون الحصن بالحجارة رميا متداركا، وجعل رجل من أهل الشام يقول في ذلك:
كيف ترى قيسا يرى قيسا * حمقا يرى ذاك بها أم كيسا نقذف فيها زفرا وأوسا * بكل خطار يميس ميسا قال: فكان الذي يرمي بهذه المجانيق رجل يقال له حسان (1) بن بحدل، وقد ذكره زفر بن الحارث في قصيدة له حيث يقول:
لقد تركتني منجنيق ابن بحدل * أخاف من (2) العصفور حين يطير ملحا علي بالحجارة دائبا * لأني وقور والكريم وقور فلما رأي زفر بن الحارث أن عبد الملك بن مروان قد ألح عليه برمي الحجارة كأنه اتقى على نفسه وعلى أهله وماله: فاستجدى وخضع وذل وطلب الأمان، فأعطاه عبد الملك بن مروان ذلك (3)، فخرج إليه زفر بن الحارث فأمنه عبد الملك بن مروان وخلع عليه وسار من قرقيسياء (4) يريد العراق، فعبر الفرات وشق البلاد حتى خرج إلى أرض الجزيرة، ثم سار حتى نزل مدينة الموصل وأنشأ شاعر له (5) يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
لعمري لقد أصحرت خيلنا * بأكناف دجلة للمصعب إلى آخرها.
ثم سار عبد الملك بن مروان من الموصل يريد العراق، وبلغ ذلك مصعب بن الزبير فعزم على محاربته، فخرج من الكوفة حتى عسكر على عشرة فراسخ منها لكي يتلاحق به الناس، فإذا قد خذله عامة أصحابه، فاغتم لذلك غما شديدا، ثم دعا بعبد الله بن أبي فروة مولى عثمان فقال له: ويحك! ما ترى؟ قال! أرى الناس قد خذلوك، فاستخلف على عملك رجلا من أصحابك وشد رواحلك والحق بأمير المؤمنين بالحجاز فكن معه هنالك، فقال مصعب بن الزبير: إني لأكره أن تتحدث