الجدلي، وكان من خيار أصحابه فقال: سبحان الله! يا أبا القاسم نحن نفارقك على هذه الحالة وننصرف عنك؟ لا والله ما سمعنا إذا ولا أبصرنا ما نقلنا أقدامنا، وثبتت قوائم سيوفنا في أكفنا، وعقلنا عن الله أمرنا ونهينا.
قال: ثم وثب عبد الله بن سلع (1) الهمداني فقال: ثكلتني أمي وعدمتني إن أنا فارقتك وانصرفت عنك إلى أحد من الناس هو خير منك أو شبية بك! والله ما نعلم مكان أحد هو أصلح منك في وقتنا هذا، ولكن نصير معك، فإن نمت فمجدا وإن نقتل فشهداء، ولا والله لئن أقتل معك على بصيرة محتسبا لنفسي أحب إلي من أن أوتى أجر عشرين (2) شهيدا معك.
قال: ثم وثب محمد بن بشر الشاكري فقال: يا بن خير الأخيار وابن أبر الأبرار ما خلا النبيين والمرسلين! والله لئن آكل الأطعمة المحرقة والحلوى البالية والميتة والدم على حال الضرورة أحب إلي من البقاء مع القوم الظالمين، لأنه قد ابتلي الصالحون من قبلنا، فكانت تقطع أيديهم وأرجلهم، وتسمل أعينهم، ويصلبون على جذوع النخل أحياء، كما فعل ابن سمية زياد بن أبيه وابن مرجانة عبيد الله بن زياد الفاجر الفاسق بشيعتكم، فكانوا يقتلون صبرا كما قتل حجر بن عدي وأصحابه، وكل ذلك كانوا يقتلون وعلى ذلك كانوا يصبرون. قال فقال لهم محمد ابن الحنفية: جزاكم الله من صحابة خير ما جرى الصالحين الصابرين.
قال: وجد عبد الله بن الزبير في عداوة محمد ابن الحنفية كل ذلك ليبايع ابن الحنفية، وهو يأبى ذلك. قال: وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكتب إلى محمد ابن الحنفية: أما بعد فقد بلغني ما به ابن الزبير مما لست له أهل، وأنا عن قليل سائر إليه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانظر إذا قرأت كتابي هذا فسر إلى ما قبلي أنت ومن معك من شيعتك، وانزل حيث شئت من أرض الشام آمنا مطمئنا إلى أن يستقيم أمر الناس، فنختار أي الخصال أحببت - والسلام -.
قال: فعندها عزم محمد ابن الحنفية على المسير إلى الشام، وكتب عبد الله بن عباس إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد فإنه قد توجه إلى بلادك رجل منا لا يبدأ بالسوء، ولا يكافئ على الظلم، لا بعجول ولا بجهول، سريع إلى