نيف على ثلاثين رجلا وبقي في بضعة عشر رجلا، فقاتل حتى بقي خمسة، فجعل يرتجز ويقول:
لو أن لي من شيعتي رجالا * مشاعرا أعرفهم أبطالا لأحسنوا من دوني القتالا * ولم يهابوا في الوغى الآجالا قال: وقتل أصحابه الخمسة فبقي عبيد الله بن الحر يقاتل وحده وأحاطت به الخيل من كل جانب، قال: فطعنه رجل من بني محارب (1) يكنى أبا كدية (2)، فصرعه عن فرسه على شاطئ الفرات وغار فرسه، فوثب قائما وبقي يقاتلهم راجلا في جوف الماء، والقوم يرمونه بالسهام، ولا يدنو أحد منه غير أنهم يقولون: كيف ترى هذه السهام يا بن الحر! فقال لهم: إن كنتم رجالا كما تزعمون فابرزوا إلي واحدا بعد واحد حتى تعلموا أينا ابن الحر! قال: وأثخن بالجراحات فلم يستطع أن يقاتل القوم، فعمد إلى زورق من تلك الزوارق، فجلس فيه وقال لصحابه: عبرني إلى ذلك الجانب من الفرات وسلبي لك! قال: فجعل صاحب زورق يقذف به حتى صار إلى نصف الفرات وأصحاب مصعب ينادون صاحب الزورق: ويحك أيها الملاح! إن الذي معك هو طلب أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير وطلب مصعب بن الزبير، فاحذر على نفسك ورد الزورق إلينا ولك عشرة آلاف درهم! قال: فهم الملاح أن يرده إليهم. فلما حول رأس الزورق قام إليه عبيد الله بن الحر ليمنعه من ذلك، فقبض عليه الملاح وكان قويا في بدنه فاعتنقا جميعا واضطربا في الزورق ثم سقطا جميعا في الفرات فغرقا: وإذا بشيخ على شاطئ الفرات ينتف لحيته ويقول:
يا بختيار! يا بختيار! فقيل ما: ما قصتك يا شيخ؟ فقال: وما قصتي، هذا الملاح الذي غرق هو ابني بختيار، وكان يقتل هو الأسد في هذا البلد وحده إذا قدر عليه لشجاعته وشدته، وكان يحمل هذا الزورق الذي لا يحمله عشرون رجلا فيخرجه من الفرات ويقيره ويرده إلى الماء وحده، حتى بلي بشيطان كم هذا فلم يفارقه حتى رمى به وغرق. قال: فجعل أصحاب مصعب بن الزبير يضحكون من الشيخ ويقولون له: لا عليك يا شيخ فإن الذي غرق ابنك وغرق معه عبيد الله بن الحر الجعفي، ولم يكن بالعراق أشجع منه قلبا، فتعز عن ابنك واحتسبه. قال: فقال الشيخ: إن