شديد، وبلغ ذلك من كان بالكوفة من أصحابه الذين فارقوه، فرجعوا إليه في جمعهم حتى نزلوا في الشعب وقالوا: والله لا نفارقك أبدا أو لنموتن بين يديك!
قال: وأمسك ابن الزبير عن ابن الحنفية وكف عنه إلى أن حجت الناس.
فلما كان يوم النفر (1) أرسل بأخيه عروة بن الزبير وعبد الله بن مطيع العدوي في رجال من قريش إليه، فأقبل القوم حتى دخلوا الشعب إلى ابن الحنفية فقالوا: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تتنحى عن هذا الشعب الذي أنت نازل فيه، فإنه قد عزم إن لم تفعل ولم تنتقل إلى موضع غيره أن يسير إليك حتى يناجزك، فإن أردت الشخوص فهذا يوم الجمعة قم فانفر مع الناس وامض إلى حيث شئت من البلاد! قال: فسكت ابن الحنفية وقام رجل من أصحابه يقال له معاذ بن هانئ فقال: أيها المهدي! إن هذا البلد قد جعل الله عزو جل، الناس فيه سواء العاكف فيه والباد، وليس أحد أحق به من أحد، وهذا الرجل قد ألحد في الحرم وسفك فيه الدم، وقد بعث إليك مرة بعد أخرى يأمرك بالتنحي عنه، فإنه هو أبى إلا إشخاصك تركا لأمر الله وجرأة عليه فقد بدأك بالظلم وبما لم تكن تستحله، وقد اضطرك وإيانا إلى ما لا صبر لك عليه فخل بيننا وبينه، فو الله! إني لأرجو أن آتيك به سلما أو يقتل هؤلاء أصحابه الفساق الجبارون وأعداء الصالحين، فإنما هم أعراب أهل اليمامة وجهال أهل مكة، ولقد قاتلهم قوم ينوون رضوان الله وثواب الآخرة، ولما ثبتوا للطعان والضراب ولا تذعروا بدعارة أولاد الحجل. قال: فغضب عبد الله بن مطيع من ذلك، ثم أقبل على ابن الحنفية فقال: يا أبا القاسم! لا يغرنك عن نفسك حائك أهل اليمن هذا وأشباهه، فإني أعلم أنهم إن أوردوك لم يصدروك، أفليس هم قتلة أبيك وابن عمك وأخيك!
فقال ابن الحنفية: لا، بل هم أنصاري وشيعتي الذين عليهم أعتمد بعد الله تعالى.
فقال عبد الله بن مطيع: اقبل مني، إما أن تبايع هذا الرجل وإلا فأنج بنفسك من قبل التورط ومن قبل أن تتمنى النجاة ولات حين نجاة. قال: فقال معاذ بن هانئ لعبد الله بن مطيع: يا بن نساجة العبا! نحن نسلم لك ولصاحبك هذا، ولما نقتل بين يديه أو نبيدكم عن آخركم؟ قال: وارتفعت أصوات القوم، فسكتهم ابن الحنفية عن آخرهم، ثم أقبل على أصحابه فقال: أخبروني عنكم ماذا عندكم من الرأي، فإني أكره سفك الدماء في حرم الله وحرم رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال أصحابه: الرأي رأيك، فانظر ما هو الصواب فألقه إلينا، فإننا لن نعدوه، إن أمرتنا بقتال القوم