قد أوصاني بك، وأراك مدنفا ليس فيك سفر. فقال: يا أمير المؤمنين أنشدك الله، أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إلي، إنما أنا امرؤ وليس بي بأس. قال. فلم يطق من الوجع أن يركب بعيرا ولا دابة، فوضع على سرير، وحمله الرجال على أعناقهم، حتى جاءوا مكانا يقال له البتراء، فأرادوا النزول به. فقال لهم: ما اسم هذا المكان؟ فقيل له البتراء. فقال: لا تنزلوا به، ثم سار حتى حاجزة، فنزل به، فأرسل إلى أهل المدينة: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: أنتم الأصل والعشيرة والأهل، فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا، فإن لكم عندي في عهد الله وميثاقه عطاءين في كل سنة، عطاء في الصيف، وعطاء في الشتاء، ولكن عندي عهد الله وميثاقه، أن يجعل سعر الحنطة عندكم كسعر الحنطة عندنا، والحنطة يومئذ سبعة آصع بدرهم، وأما العطاء الذي ذهب به عنكم عمرو بن سعيد، فعلي أن أخرجه لكم، وكان عمرو بن سعيد قد أخذ أعطياتهم، فاشترى بها عبيدا لنفسه: فقالوا لمسلم: نخلعه كما نخلع عمائمنا، يعنون يزيد، وكما نخلع نعالنا. قال: فقاتلهم، فهزم الناس أهل المدينة (1).
قال أبو معشر: حدثنا محمد بن عمرو بن حزم، قال: قتل بضعة وسبعون رجلا من قريش، وبضعة وسبعون رجلا من الأنصار، وقتل من الناس نحو من أربعة آلاف، وقتل ابنان لعبد الله بن جعفر، وقتل أربعة أو خمسة من ولد زيد بن ثابت لصلبه. فقال مسلم بن عقبة لأهل الشام: كفوا أيديكم، فخرج محمد بن سعد بن أبي وقاص، يريد القتال، فقاتلهم بعد الكف. فقال مسلم بن عقبة: أنهبها ثلاثا. قال: فقتل الناس، وفضحت النساء، ونهبت الأموال. فلما فرغ مسلم بن عقبة من القتال، انتقل من منزله ذلك إلى قصر بني عامر بدومة، فدعا أهل المدينة من بقي منهم للبيعة. قال: فجاء عمرو بن عثمان بن عفان بيزيد بن عبد الله ابن زمعة، وجدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو قال لأم سلمة:
أرسلي معي ابن بنتك، فجاء به إلى مسلم، فلما تقدم يزيد قال له مسلم: تبايع لعبد الله يزيد أمير المؤمنين على أنكم خول له، مما أفاء الله عليه بأسياف المسلمين، إن شاء وهب، وإن شاء أعتق، وإن شاء استرق. فقال يزيد: لأنا أقرب إلى أمير المؤمنين منك. قال: والله لا تستقبلها أبدا. فقال عمرو بن عثمان: أنشدك الله، فإني أخذته من أم سلمة، بعهده وميثاقه، أن أرده إليها. قال: فركضه برجله، فرماه من فوق السرير، فقتل يزيد بن عبد الله، ثم أتى محمد بن أبي جهم مغلولا. فقال له مسلم: أنت القائل، اقتلوا سبعة عشر رجلا من بني أمية لا تروا شرا أبدا. قال: قد قلتها ولكن لا يسمع لقصير أمير، فأرسل