الأسدي قال: قدمت الكوفة سنة ٦١ وهي السنة التي قتل فيها الحسين (عليه السلام)، فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذ (يلتدمن) (١) مهتكات الجيوب، ورأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض: «يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟» ثم ذكر الحديث.
ورأيت أم كلثوم (عليها السلام)، ولم أر خفرة (٢) والله أنطق منها، كأنما تنطق وتفرغ على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس قالت:
أبدأ بحمد الله، والصلاة والسلام على نبيه، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والخذل، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي ﴿نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم﴾ (٣)، ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الإماء وغمز الأعداء؟
وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة؟ وكفضة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدمت أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون؟ إي والله فابكوا وإنكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، ومنار محجتكم ومدرة حجتكم، ومفرخ نازلتكم؟ فتعسا ونكسا، لقد خاب السعي وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة: ﴿لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا﴾ (٤).
أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ لقد جئتم بها شوهاء خرقاء، شرها طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما ﴿ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون﴾ (5) فلا يستخفنكم