الإسلامية في قبضة الدولة العثمانية المقلد جمهور حكامهم لأبي حنيفة النعمان، انتهى الأمر أن صار حصر القضاء وفق مذهب إمامهم.
وأما راتب القاضي فيختلف باختلاف الدول والأزمان، فإن عمر بن الخطاب ولى شريحا قضاء البصرة وفرض له مائة درهم في كل شهر ومؤنته من الحنطة (1)، وظلت رواتب القضاة على نحو ذلك في سائر أيام الراشدين، ثم تصاعدت في أيام بني أمية مثل تصاعد رواتب الجند وسائر العمال.
فلما كانت أيام العباسيين أصبح راتب قاضي مصر ثلاثين دينارا في الشهر، وأول من اقتضى هذا الراتب ابن لهيعة الذي ولاه المنصور كما تقدم (2)، ثم تصاعد الراتب تصاعدا عظيما في أيام المأمون، فبلغ عطاء عيسى بن المنكدر قاضي مصر يومئذ 4000 درهم أو نحو 270 دينارا، وهو راتب فاحش ربما جعل كذلك لغرض خاص، لأنه أجيز فوق هذا الراتب بألف دينار.
وعاد راتب قاضي مصر بعد ذلك بضعا وعشرين سنة إلى ألف دينار في السنة، وأول من اقتضى هذا الراتب بكار بن قتيبة الذي تولى قضاء مصر على عهد أحمد بن طولون سنة 245 (3)، وزاد ذلك في الدولة الفاطمية فأصبح راتب القاضي وهو قاضي القضاة يومئذ 12000 دينار في السنة ما عدا المؤونة والهدايا، ولعلها استمرت على ذلك في دولة الأيوبيين ومن تلاهم.
أما بغداد فاختلف راتب القاضي فيها باختلاف الأزمان، وكان في زمن المعتضد نحو 500 دينار في الشهر بما فيه أجور عشرة من الفقهاء وخليفة القاضي، ثم دخل القضاء في الالتزام فصار القضاة يضمنون دخل القضاء بمال يؤدونه إلى الخليفة أو السلطان، وأول من ضمن القضاء عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب سنة 350 في أيام معز الدولة ابن بويه، فقد سمي قاضي قضاة بغداد، والتزم القضاء على أن يؤدي 200000 درهم كل سنة، ثم صار ذلك أمرا مألوفا وصاروا يضمنون الحسبة والشرطة (4).