وكان أكثر ولايات الإسلام على هذه الصورة، وخصوصا لما بعد منها عن مركز الخلافة كالعراق في بني أمية ومصر والشام في بني العباس وخراسان في كليهما.
ومن عمال الاستكفاء في بني أمية في العراق زياد بن أبيه، وابنه عبيد الله، وبشر بن مروان، والحجاج بن يوسف، ويزيد بن الملهب، ومسلمة بن عبد الملك، وعمر بن هبيرة، وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر الثقفي، وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عمر بن هبيرة، وكانت تسمى إمارة كل منهم: إمارة العراقين، لاشتمالها على الكوفة والبصرة.
فكان كل أمير من هؤلاء يتصرف في إمارته تصرف الملوك المستقلين بالكيفية التي قدمناها، فيعين العمال على البلاد تحت إمارته وسائر عمال حكومته، ويجبي الأموال فينفق منها على جنده، وفيما تقتضيه العمارة، من إصلاح الجسور، وإحتفار الترع ونحو ذلك، ويرسل ما يبقى عنده إلى بيت المال في الشام.
وكانت الحال نحو ذلك في مصر، فقد كان عاملها من عمال الاستكفاء من عهد عمرو بن العاص فما بعده، وربما كان عامل مصر أكثر استقلالا من سواه وخصوصا عمرو بن العاص لما تولاها المرة الأخيرة بأمر معاوية بعد أن نصره على علي (عليه السلام)، وربما فعل معاوية مثل ذلك بزياد بن أبيه، لما ولاه خراسان، وبالمغيرة بن شعبة لما ولاه الكوفة رغبة منه في أطماع هؤلاء الدهاة كما تقدم.
ولما أفضت الخلافة إلى بني العباس ساروا على نحو هذه الخطة، لكنهم قلما كانوا يجعلون أمر العراق مفوضا للعمال لقربه من مركز الخلافة، على أنهم كانوا يفوضون العمال في الأقاليم البعيدة، كالشام ومصر وخراسان وسائر ما وراء العراق نحو الشرق، إلى أقصى بلاد الترك وما وراء النهر، ولما تمكن البرامكة من الدولة وغلب نفوذهم فيها، ولى الرشيد أحدهم جعفر بن يحيى الغرب كله من الأنبار إلى أفريقيا، وقلد أخاه الفضل بن يحيى الشرق كله من شروان إلى أقصى بلاد الترك سنة 176، فأقام جعفر بمصر وأرسل العمال بأمره إلى الشام وإفريقيا وغيرهما، وأما الفضل فإنه سار إلى عمله حتى وصل إلى خراسان، فأصلح وبدل واستخلف عمالا وعاد إلى العراق.
وكثيرا ما كان الخلفاء يفوضون إلى بعض خاصتهم عملا من الأعمال، فيرسل هذا من يقوم مقامه في ذلك العمل ويبقى هو في بلاد الخليفة، وأكثر ما كان يقع في