القضاء في الإسلام:
إن أول من تولى القضاء في الإسلام النبي (صلى الله عليه وآله)، صاحب الشريعة الإسلامية نفسه ثم تولاه خلفاؤه، لأن القضاء من المناصب الداخلة تحت الخلافة - كما عرفت - فكان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرونه بأنفسهم ولا يجعلونه إلى من سواهم، حتى إذا اتسع سلطانهم وكثرت مهام منصبهم اضطروا إلى استنابة من يقوم عنهم بالقضاء في مركز الخلافة وفي الأعمال، وأول من فعل ذلك منهم عمر بن الخطاب، فولى أبا الدرداء معه في المدينة، وولى شريحا بالبصرة، وولى أبا موسى الأشعري بالكوفة (1).
أما مصر، فالقضاء فيها كان موكولا إلى أمرائها، وهم الذين كانوا يولون قضاتها، وكان عمر بن الخطاب قد أراد أن يولي قاضي مصر كما ولى قضاة المدينة والبصرة والكوفة، فكتب إلى عمرو بن العاص أن يولي القضاء كعب بن يسار بن ضنة، وكان ممن قضى في الجاهلية، فأبى كعب أن يقبل ذلك وقال: قضيت في الجاهلية ولا أعود إليه في الإسلام.
فولى عمرو عثمان بن قيس بن أبي العاص (2)، وما زال أمير مصر هو الذي يولي القضاة، حتى أفضت الخلافة إلى بني العباس، فأرادوا توطيد سلطانهم على مصر فجعلوا تولية القضاء إليهم، وأول قاض ولاه الخلفاء على مصر مباشرة عبد الله بن لهيعة الحضرمي، ولاه أبو جعفر المنصور سنة 155 (3)، ثم صارت تولية قضاة مصر إلى الخلفاء حتى عهد الدولة العثمانية.
وكان القضاة في أول الأمر يولون على الأقاليم على كل إقليم قاض، فلما عمرت المملكة واتسعت، تعدد القضاة حتى صاروا يولون في المدن الكبرى عدة قضاة، كل قاض في جانب من جوانبها، والخليفة هو الذي يولي كلا منهم بنفسه إلى زمن الرشيد وقد اتسعت بغداد في أيامه، ونبغ يومئذ القاضي أبو يوسف الشهير وكان