منصب القضاء:
القضاء منصب جليل ومرتبة سامية، فإنه إمارة شرعية، وغصن من دوحة الرئاسة العامة الثابتة للنبي والأئمة وخلافة عنهم (عليهم السلام)، وخطره عظيم جدا إذ القاضي على شفير جهنم، ولما ولي الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) شريحا القضاء في الكوفة اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه، وقال له يوما: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي» (١).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس، فإما في الجنة وإما في النار» (٢).
إن الدين الإسلامي يوجب القضاء على كل من له الأهلية وجوبا كفائيا، بحيث إذا قام به من فيه الكفاية سقط عن الآخرين، وقد يوجبه وجوبا عينيا على كل من جمع شروطه، وذلك إذا لم يكن في بلده أو ما يقرب منه مما لا يتعسر الرجوع إليه للمرافعة من له أهلية غيره، فإنه يجب عليه حينئذ عينا مع فرض حاجتهم إلى القاضي وعدم إمكان (رفع التنازع بالمصالحة ونحوها) (٣).
وإن الدين الإسلامي يشترط في القاضي شروطا عديدة منها: الاجتهاد، فلا ينفذ قضاء غير المجتهد، وإن بلغ من العلم والفضل ما بلغ، لإجماع المسلمين على ذلك، لأن منصب القضاء - كما عرفت - مختص بالنبي والأئمة (عليهم السلام)، لقوله تعالى:
﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ (4)، وقد تقدم قول الإمام علي (عليه السلام) لشريح القاضي، فحينئذ يتوقف جواز القضاء من غير النبي والأئمة على الإذن منهم (عليهم السلام).
وقد وردت الآثار من أئمة الهدى (عليهم السلام) بالإذن في القضاء للمجتهد العادل خاصة، القادر على استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية، فإن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيما يحدثنا به الصدوق (رحمه الله) في الفقيه: «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم،