قال في الخرائج والجرائح: عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: لما وصلت بغداد في سنة (تسع) (1) وثلاثين وثلاثمائة عزمت على الحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر في مكانه إلى البيت، فكان أكثر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر، فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيأ (لي) ما قصدت له، فعرفت أن ابن هشام يمضي إلى الحرم، فكتبت رقعة وأعطيته إياها مختومة، أسأل فيها عن مدة عمري وهل تكون الموتة في هذه العلة أم لا؟ وقلت له: همي في إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه.
قال ابن هشام: ثم مضيت إلى الحرم وأخذت معي من يمنعني ازدحام الناس، وكلما عمد إنسان أن يضعه في موضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات.
فانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يمينا وشمالا حتى ظن بي خلاط، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس فكنت أسرع المشي خلفه، وهو يمشي على تؤدة (2) ولا أدركه، فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي وقال: «هات ما معك».
فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر إليها: «قل له: لا خوف عليك في هذه العلة ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة».
قال: فوقع علي الزمع (3) حتى لم أطق حراكا وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فحضر وأعلمني بهذه الجملة، قال: فلما كانت سنة ثلاثين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره بتحصيل جهاز قبره وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك.
فقيل له: ما هذا الخوف، ونرجوا أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك مخوفة.