مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، قال القاضي:
اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة، فذهب مالك في رواية أشهب عنه وقاله ابن قانع صاحبه وجماعة من أصحابه إلى أن معنى الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف، واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه، فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بتسعمائة، وعلى غيره بألف، وهذا مبني على تفضيل المدينة على مكة على ما قدمناه، وهو قول عمر بن الخطاب، ومالك، وأكثر المدنيين، وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة وهو قول عطاء، وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك، وحكاه الساجي عن الشافعي، وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره، وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل، واحتجوا بحديث عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وفيه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، وروى قتادة مثله، فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام على هذا على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف، ولا خلاف أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض.
قال القاضي أبو الوليد الباجي: الذي يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة.
وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض، وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة أيضا، قال: وجمعة خير من جمعة، ورمضان خير من رمضان، وقد ذكر عبد الرزاق في تفضيل رمضان بالمدينة، وغيرها حديثا نحوه، وقال صلى الله عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومثله عن أبي هريرة وأبي سعيد، وزاد: ومنبري على حوضي، وفي حديث آخر: منبري على ترعة من ترع الجنة.
قال الطبري: فيه معنيان:
أحدهما: أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روي ما بين حجرتي ومنبري والثاني: أن البيت هنا القبر، وهو قول زيد بن أسلم في هذا الحديث، كما روي: بين قبري ومنبري. قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته اتفقت