أزعجه، كيف نهض في مثل هذه المحربة؟ فما انتصف النهار في ذلك اليوم حتى أرسل الله تعالى ريحا كادت الأرض تزلزل من فوقها، حتى خرجت الإبل بأثقالها، والخيل بسروجها، كما تدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك أكثرها، وحلق بالناس، فانشرح صدر أبي الفتوح، وذهب روعه من الحاكم لقيام عدد من امتناع ما جاء فيه.
وقال المحب الطبري في كتاب (الرياض النضرة في فضائل العشرة) - رضي الله تبارك وتعالى عنهم -: أخبرني هارون بن الشيخ عمر بن الراغب قال: كنت مجاورا بالمدينة وشيخ الخام إذ ذاك شمس الدين صواب الملطي، وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء، فقال لي يوما: ما أخبرك بعجبه: كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما يمس حاجتي إليه، فبينا أنا ذات يوم إذ جاءني فقال: أمر عظيم حدث اليوم، قال: قلت: وما هو؟ قال:
جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة (النبوية) وإخراج أبي بكر وعمر - رضي الله تبارك وتعالى عنهما - منها، فأجابهم إلى ذلك، قال: فاهتممت لذلك هما، ولم ألبث أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه فأجبته، فقال لي: يدق عليك الليلة أقوام المسجد، فافتح لهم، ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم، ولا تعترض عليهم، فقلت سمعا وطاعة، وخرجت ولم (أر النوم) اجتمع (وجلست) خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة، ولا يشعر أحد بما بي، حتى إذا صليت العشاء الآخرة، وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب، فلم أنشب أن دق الباب الذي حدا باب الأمير، ففتحت الباب، فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد، ومعهم المساحي، والمكاتل، والشموع، (وأرادوا) الهدم، وقصدوا الحجرة.
قال: فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم، ما كان بينهم من آلات وغير ذلك، ولم يبق لهم أثر، قال: فاستبطأ الأمير خبرهم، فدعاني وقال: ألم يأتك القوم؟ قلت: بلى، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت، فقال: انظر ما تقول، قلت: لا هو ذلك، قلت: وانظر هل ترى فيهم باقية أو لهم أثر، فقال لي: هذا موضع الحديث، إن ظهر عنك كان يقطع رأسك. ثم خرجت عنه. انتهى وقال الحافظ جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر أحمد بن خلف ابن عيسى المرقى الخزرجي الدميني في (تاريخ المدينة): وصل السلطان الملك