وإن حرمته (صلى الله عليه وسلم) ميتا كحرمته حيا، فاستكان له أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله! أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله، واستشفع به، فيشفع لك عند الله تعالى.
قال الله تبارك وتعالى: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * (1).
وقال القاضي عياض: (2) وزيادة قبره (صلى الله عليه وسلم) سنة من سنن المسلمين مجمع عليه، وفضيلة مرغب فيها.
حدثنا القاضي أبو على، حدثنا أبو الفضل بن خيرون قال: حدثنا الحسن ابن جعفر قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني قال حدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا محمد بن عبد الرزاق قال: حدثنا موسى بن هلال عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهما - قال:
قال النبي (صلى الله عليه وسلم): من زار قبري وجبت له شفاعتي.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري، وكنت له شفيعا يوم القيامة.
وفي حديث آخر: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.
وكره مالك أن يقال زرنا قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد اختلف في معنى ذلك فقيل كراهية الاسم لما ورد من قوله (صلى الله عليه وسلم): لعن الله زوارات القبور، وهذا يرده قوله:
نهيتم عن زيارة القبور فزوروها. وقوله من زار قبري فقد أطلق اسم الزيارة، وقيل: لأن ذلك لما قيل: إن الزائر أفضل من المزور، وهذا أيضا ليس بشئ إذ ليس كل زائر بهذه الصفة، وليس هذا عموما، وقد ورد في حديث أهل الجنة زيارتهم لربهم، ولم يمنع هذا اللفظ في حقه تعالى.
وقال أبو عمران رحمه الله: إنما كره مالك أن يقال: طواف الزيارة، وزرنا قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) لاستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض، وكره تسوية النبي (صلى الله عليه وسلم) مع الناس بهذا اللفظ. وأيضا فإن الزيارة مباحة بين الناس، وواجب شد المطي إلى قبره (صلى الله عليه وسلم) يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا