والقراءة الثانية: أدنى بسكون الدال، وهي إجماع القراء، ومعناه أقرب، وفي أدنى أربعة أقوال، أحدها: طرف الشام، قاله ابن عباس، والثاني: الجزيرة فيما بين العراق والشام، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس، قاله مجاهد، والثالث: الأردن وفلسطين، قاله السدي ومقاتل، والرابع: أذرعات، قاله عكرمة ويحيى بن سلام.
ويقال: إن قيصر بعث رجلا يدعى يحنس وبعث كسرى شهر براز فالتقيا بأذرعات وبصرى (١)، وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم. قال ابن عطية: فإن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة.
وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى الأرض بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي إلى أدنى أرض الروم. فلما جرى ذلك وغلبت الروم شر الكفار فبشر الله عباده المؤمنين بأن الروم سيغلبون، وتكون الدولة لهم في الحرب، وكان في هذا الأخبار دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الروم غلبت من فارس، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، وأن المؤمنين يفرحون بذلك لأن الروم نصارى أهل كتاب وهو الإنجيل، فكان هذا من علم الغيب الذي أخبر الله - تعالى - به مما لم يكن، فكان كما أخبر.
قال الزجاج وهذا يدل على أن القرآن من عند الله، لأنه أنبأ بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا الله.
وقد اختلف في البضع فقال ابن سيده: البضع أو البضع ما بين الثلاث إلى العشر أولها من الثلاثة إلى العشر مضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، كقوله - تعالى -: (في بضع سنين) وقوله: ﴿فلبث في السجن بضع سنين﴾ (2) ويبني مع العشرة كما يبني سائر الآحاد، فيقال: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة، ولم يسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة رجلا، وبضع عشر امرأة. ولا يمتنع ذلك.
وقيل: البضع من الثلاث إلى التسع قيل هو ما بين الواحد إلى الأربعة وقال الهروي: العرب تستعمل البضع فيما بين الثلاث إلى التسع، والبضع والبضعة واحد ومعناهما القطعة من العدد.