لقد غفر للركب الليلة أجمعين، إلا رويكبا واحدا، التقت عليه رحال القوم ليس منهم، فذهبنا ننظر، فإذا أعرابي بين ظهراني القوم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، فقلنا: من هم يا رسول الله، أقريش؟ قال: لا، لكن أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، قلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدكم جبل ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه، إلا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير﴾ (1).
وخرج الحاكم من حديث أبي عامر العقدي، حدثنا قرة بن خالد، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صعد ثنية المرار، فإنه يحط عمله ما حط عن بني إسرائيل، فكان أول من صعدها جبل بني الخزرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلهم مغفور لهم، إلا صاحب الجمل الأحمر، قال: فإذا هو أعرابي ينشد ضالة له، فقلنا: يستغفر لك رسول الله، فقال: لأن أجد ضالتي أحب إلي مما يستغفر لي صاحبكم، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وقال الواقدي في كتاب (المغازي) (2): قالوا: فلما أمسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تيامنوا في هذا العضل، فإن عيون قريش يمر بظهران، أو بضجنان، فأيكم يعرف ثنية ذات الحنظل؟ فقال بريدة بن الحصيب الأسلمي: أنا يا رسول الله عالم بها، قال: اسلك أمامنا فأخذ به بريدة في العضل قبل جبال سراوع قبل المغرب، فسار قليلا تنكبه الحجارة، وتعلقه الشجر، وحار حتى كأنه لم يعرفها قط، قال: فوالله إن كنت لأسلكها في الجمعة مرارا، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوجه، قال: اركب، فركبت، فقال صلى الله عليه وسلم: من رجل يدلنا على طريق ذات الحنظل؟ فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي فقال: أنا يا رسول الله أدلك، فقال: انطلق أمامنا، فانطلق عمرو أمامهم حتى نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى