فاجتاحوهم عن آخرهم، ولم يفلت منهم أحد. فكان آخر العهد بهم. وفيها عقد المعتصم للأفشين واسمه حيدر بن كاوس على جيش عظيم لقتال بابك الخرمي لعنه الله، وكان قد استفحل أمره جدا، وقويت شوكته، وانتشرت أتباعه في أذربيجان وما والاها، وكان أول ظهوره في سنة إحدى ومائتين، وكان زنديقا كبيرا وشيطانا رجيما، فسار الأفشين وقد أحكم صناعة الحرب في الأرصاد وعمارة الحصون وإرصاد المدد، وأرسل إليه المعتصم مع بغا الكبير أموالا جزيلة نفقة لمن معه من الجند والاتباع، فالتقى هو وبابك فاقتتلا قتالا شديدا، فقتل الأفشين من أصحاب بابك خلقا كثيرا أزيد من مائة ألف، وهرب هو إلى مدينته فأوى فيها مكسورا، فكان هذا أول ما تضعضع من أمر بابك، وجرت بينهما حروب يطول ذكرها، وقد استقصاها ابن جرير.
وفيها خرج المعتصم من بغداد فنزل القاطول فأقام بها. وفيها غضب المعتصم على الفضل بن مروان بعد المكانة العظيمة، وعزله عن الوزارة وحبسه وأخذ أمواله وجعل مكانه محمد بن عبد الملك بن الزيات (1). وحج بالناس فيها صالح بن علي بن محمد أمير السنة الماضية في الحج.
وفيها توفي آدم بن أبي إياس (2). وعبد الله بن رجاء (3). وعفان بن مسلم (4). وقالون (5) أحد مشاهير القراء. وأبو حذيفة النهدي (6).
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائتين فيها كانت وقعة هائلة بين بغا الكبير وبابك فهزم بابك بغا وقتل خلقا من أصحابه. ثم اقتتل الأفشين وبابك فهزمه أفشين وقتل خلقا من أصحابه بعد حروب طويلة قد استقصاها ابن جرير.
وحج بالناس فيها نائب مكة محمد بن داود بن عيسى بن موسى العباسي.