لأهله وأنا خيركم لأهله، وقد خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته " (1). وحدثته في هذا الباب بكلام حضرني. فأمر لي بألفي دينار، فلما وافيت المنزل إذا رسول الخيزران قد لحقني بألفي دينار إلا عشرة دنانير، وإذا معه أثواب أخر، وبعثت تشكرني وتثني علي معروفا.
وذكروا أن المهدي كان قد أهدر دم رجل من أهل الكوفة وجعل لمن جاء به مائة ألف، فدخل الرجل بغداد متنكرا فلقيه رجل فأخذ بمجامع ثوبه ونادى: هذا طلبة أمير المؤمنين. وجعل الرجل يريد أن ينفلت منه فلا يقدر، فبينا هما، يتجاذبان وقد اجتمع الناس عليهما، إذ مر أمير في موكبه - وهو معن بن زائدة (2) - فقال الرجل! يا أبا الوليد خائف مستجير. فقال معن: ويلك مالك وله؟ فقال هذا طلبة أمير المؤمنين، جعل لمن جاء به مائة ألف. قال معن: أما علمت أني قد أجرته؟ أرسله من يدك.
ثم أمر بعض غلمانه فترجل وأركبه وذهب به إلى منزله، وانطلق ذلك الرجل إلى باب الخليفة وأنهى إليهم الخبر، فبلغ المهدي فأرسل إلى معن فدخل عليه فسلم فلم يرد عليه السلام وقال: يا معن أبلغ من أمرك أن تجير علي؟ قال: نعم، قال: ونعم أيضا! قال: نعم! قد قتلت في دولتكم أربعة آلاف مصل فلا يجار لي رجل واحد؟ فأطرق المهدي ثم رفع رأسه إليه وقال: قد أجرنا من أجرت يا معن.
فقال: يا أمير المؤمنين إن الرجل ضعيف، فأمر له بثلاثين ألفا. فقال: إن جريمته عظيمة وإن جوائز الخلفاء على قدر جرائم الرعية. فأمر له بمائة ألف، فحملت بين يدي معن إلى ذلك الرجل، فقال له معن: خذ المال وادع لأمير المؤمنين وأصلح نيتك في المستقبل.
وقدم المهدي مرة البصرة فخرج ليصلي بالناس فجاء أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين مر هؤلاء فلينتظروني حتى أتوضأ - يعني المؤذنين - فأمرهم بانتظاره، ووقف المهدي في المحراب لم يكبر حتى قيل له هذا الأعرابي قد جاء. فكبر، فتعجب الناس من سماحة أخلاقه. وقدم أعرابي ومعه كتاب مختوم فجعل يقول: هذا كتاب أمير المؤمنين إلي، أين الرجل الذي يقال له الربيع الحاجب؟ فأخذ الكتاب وجاء به إلى الخليفة وأوقف الأعرابي وفتح الكتاب فإذا هو قطعة أديم فيها كتابة ضعيفة، والأعرابي يزعم أن هذا خط الخليفة، فتبسم المهدي وقال: صدق الأعرابي، هذا خطي، إني خرجت يوما إلى الصيد فضعت عن الجيش وأقبل الليل فتعوذت بتعويذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي نار من بعيد فقصدتها فإذا هذا الشيخ وامرأته في خباء يوقدان نارا، فسلمت عليهما فردا السلام وفرش لي كساء وسقاني مذقة من لبن مشوب بماء، فما شربت شيئا إلا وهي أطيب منه، ونمت نومة على تلك العباءة ما أذكر أني نمت أحلى منها. فقام إلى شويهة له فذبحها فسمعت امرأته تقول له: عمدت إلى مكسبك ومعيشة أولادك