الهادي. ولي الخلافة في محرم سنة تسع وستين ومائة. ومات في النصف من ربيع الأول أو الآخر سنة سبعين ومائة، وله من العمر ثلاث، وقيل أربع، وقيل ست وعشرون سنة، والصحيح الأول، ويقال إنه لم يل الخلافة أحد قبله في سنه، وكان حسنا جميلا طويلا، أبيض، وكان قوي البأس يثب على الدابة وعليه درعان، وكان أبوه يسميه ريحانتي. ذكر عيسى بن دأب قال: كنت يوما عند الهادي إذ جئ بطست فيه رأس جاريتين قد ذبحا وقطعا، لم أر أحسن صورا منهما، ولا مثل شعورهما، وفي شعورهما اللآلئ والجواهر منضدة، ولا رأيت مثل طيب ريحهما. فقال لنا الخليفة: أتدرون ما شأن هاتين؟ قلت: لا. فقال: إنه ذكر أنه تركب إحداهما الأخرى يفعلان الفاحشة، فأمرت الخادم فرصدهما ثم جاءني فقال: إنهما مجتمعتان، فجئت فوجدتهما في لحاف واحد وهما على الفاحشة، فأمرت بحز رقابهما. ثم أمر برفع رؤوسهما من بين يديه ورجع إلى حديثه الأول كأنه لم يصنع شيئا. وكان شهما خبيرا بالملك كريما، ومن كلامه: ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني، والعفو عن الزلات، ليقل الطمع عن الملك. وغضب يوما على رجل فاسترضى عنه فرضي، فشرع الرجل يعتذر فقال الهادي: إن الرضا كفاك مؤنة الاعتذار. وعزى رجلا في ولده فقال له: سرك وهو عدو وفتنة، وساءك وهو صلاة ورحمة. وروى الزبير بن بكار أن مروان بن أبي حفصة أنشد الهادي قصيدة له منها قوله:
تشابه يوما بأسه ونواله * فما أحد يدري لأيهما الفضل فقال له الهادي: أيما أحب إليك؟ ثلاثون ألفا معجلة أو مائة ألف تدور في الدواوين؟ فقال:
يا أمير المؤمنين أو أحسن من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: تكون ألفا معجلة ومائة ألف تدور بالدواوين.
فقال الهادي: أو أحسن من ذلك، نعجل الجميع لك. فأمر له بمائة ألف وثلاثين ألفا معجلة.
قال الخطيب البغدادي: حدثني الأزهري ثنا سهل بن أحمد الديباجي، ثنا الصولي، ثنا الغلابي، حدثني محمد بن عبد الرحمن التيمي المكي، حدثني المطلب بن عكاشة المزني قال: قدمنا على أبي محمد الهادي شهودا على رجل منا أنه شتم قريشا وتخطى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء أهل زمانه ومن كان بالحضرة على بابه، وأحضر الرجل وأحضرنا فشهدنا عليه بما سمعنا منه. فتغير وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه ثم قال: إني سمعت أبي المهدي يحدث عن أبيه المنصور، عن أبيه علي بن عبد الله بن عباس قال: من أهان قريشا أهانه الله، وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أذيت قريشا حتى تخطيت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أضربوا عنقه. فما برحنا حتى قتل.
توفي الهادي من ربيع الأول من هذه السنة، وصلى عليه أخوه هارون، ودفن في قصر بناه وسماه الأبيض بعيساباذ من الجانب الشرقي من بغداد، وكان له من الولد تسعة، سبعة ذكور وابنتان، فالذكور جعفر، وعباس، وعبد الله، وإسحاق، وإسماعيل، وسليمان، وموسى الأعمى، الذي ولد بعد وفاته فسمي باسم أبيه. والبنتان هما أم عيسى التي تزوجها المأمون، وأم العباس تلقب توبة (1).