فأمر له بخمسين ألف درهم ففرقها ابن الخياط وأنشأ يقول:
أخذت (1) بكفي كفه أبتغي الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدي فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى * أفدت، وأعداني فبددت (2) ما عندي قال: فبلغ ذلك المهدي فأعطاه بدل كل درهم دينارا. وبالجملة فإن للمهدي مآثر ومحاسن كثيرة، وقد كانت وفاته بماسبذان، كان قد خرج إليها ليبعث إلى ابنه الهادي ليحضر إليه من جرجان حتى يخلعه من ولاية العهد ويجعله بعد هارون الرشيد، فامتنع الهادي من ذلك، فركب المهدي إليه قاصدا إحضاره، فلما كان بماسبذان مات بها. وكان قد رأى في النوم وهو بقصره ببغداد - المسمى بقصر السلامة - كأن شيخا وقف بباب القصر، ويقال إنه سمع هاتفا يقول:
كأني بهذا القصر قد باد أهله * وأوحش منه ربعه ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة * وملك إلى قبر عليه جنادله ولم يبق إلا ذكره وحديثه * تنادي عليه معولات حلائله فما عاش بعدها إلا عشرا حتى مات. وروي أنه لما قال له الهاتف:
كأني بهذا القصر قد باد أهله * وقد درست أعلامه ومنازله فأجابه المهدي:
كذاك أمور الناس يبلى جديدها * وكل فتى يوما ستبلى فعائله فقال الهاتف:
تزود من الدنيا فإنك ميت * وإنك مسؤول فما أنت قائله فأجابه المهدي:
أقول بأن الله حق شهدته * وذلك قول ليس تحصى فضائله فقال الهاتف:
تزود من الدنيا فإنك راحل * وقد أزف الامر الذي بك نازل فأجابه المهدي:
متى ذاك خبرني هديت فإنني * سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله فقال الهاتف:
تلبث ثلاثا بعد عشرين ليلة * إلى منتهى شهر وما أنت كامله