وكان سليمان بن جامع لما رأى ظهور أبي العباس سار في النهر مصعدا في جمع كبير ثم أتى أصحاب أبي العباس من خلفهم وهم يحاربون من بإزائهم، وخفقت طبوله فانكشف أصحاب أبي العباس ورجع عليهم من كان انهزم عنهم من الزنج فأصيب جماعة من غلمان الموفق وغيرهم، فأخذ الزنج عدة أعلام وحامى أبو العباس عن أصحابه فسلم أكثرهم ثم انصرف.
وطمع الزنج بهذه الوقعة وشدت قلوبهم فاجمع الموفق على العبور إلى مدينتهم بجيوشه أجمع، وأمر الناس بالتأهب وجمع المعابر والسفن وفرقها عليهم، وعبر يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة وفرق أصحابه على المدينة ليضطر الخبيث إلى تفرقه أصحابه. وقصد الموفق إلى ركن من أركان المدينة وهو أحصن ما فيها وقد أنزله الخبيث ابنه وهو انكلاي وسليمان بن جامع وعلي بن أبان وغيرهما وعليه من المجانيق والآلات للقتال ما لا حد [له].
فلما التقى الجمعان أمر الموفق غلمانه بالدنو من ذلك الركن وبينهم وبين ذلك السور نهر الأتراك وهو نهر عريض كثير الماء فلما انتهوا إليه أحجموا عنه، فصاح بهم الموفق وحرضهم على العبور فعبروا سباحة والزنج ترميهم بالمجانيق والمقاليع والحجارة والسهام، فصبروا حتى جاوزوا النهر وانتهوا إلى السور، ولم يكن عبر معهم من الفعلة من كان أعد لهدم السور فتولى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من السلاح وسهل الله تعالى ذلك، وكان معهم بعض السلاليم فصعدوا على ذك الركن ونصبوا علما من أعلام الموفق، فانهزم الزنج عنه وأسلموه بعد قتال شديد، وقتل من الفريقين خلق كثير، ولما علا أصحاب الموفق السور أحرقوا ما كان عليه من منجنيق وقوس وغير ذلك.