فإن قيل: تعليق الحكم بالصفة عندنا إنما يكون دليلا على نفيه حالة عدم الصفة إذا لم يكن حالة عدم الصفة أولى بإثبات حكم الصفة، كما ذكرناه من حكم زكاة السائمة والمعلوفة.
وأما إذا كان الحكم في حالة عدم الصفة أولى بالاثبات من حالة وجود الصفة فلا وها هنا تحريم القتل حالة عدم خشية الاملاق أولى من التحريم حالة خشية الاملاق.
فكان التنصيص على تحريم القتل حالة خشية الاملاق محرما له حالة عدم الخشية بطريق الأولى، وكان ذلك من باب فحوى الخطاب، لا من باب دليل الخطاب.
قلنا: هذا، وإن استمر لكم في هذه الصورة، فلا يستمر في قوله تعالى:
* (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) * (3) آل عمران: 130) وفي قوله * (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) * (4) النساء: 6) وفي قوله تعالى: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) * (24) النور: 33) فإن النهي في جميع هذه الصور ليس هو أولى من صور السكوت (1)، فإن النهي.
عن أكل قليل الربا ليس أولى من كثيره، ولا النهي عن أكل مال اليتيم من غير إسراف أولى من الاسراف، ولا النهي عن الاكراه على الزنا حالة إرادة التحصن أولى من حالة إرادة الزنا (2) ومع ذلك، فالحكم في الكل مشترك.
فإن قيل مخالفة دليل الخطاب في هذه الصور إنما كانت لمعارض، ولا يلزم مخالفته عند عدم المعارض.
قلنا: وإن كان ثبوت الحكم في صورة السكوت على نحو ثبوته في صورة النطق لدليل، ولكن يجب أن يعتقد أنه من غير مخالفة دليل لما فيه من دفع محذور المعارضة. ولو كان دليل الخطاب دليلا، لزم من ذلك التعارض، وهو خلاف الأصل.
المسلك الثاني: إن تعليق الحكم بالصفة، لو كان مما يستفاد منه نفي الحكم عند عدم الصفة، لم يخل