أحدهما النفسية، وهو مشابه للحر فيها، ومقتضى ذلك أن لا يزاد فيه على الدية، والثاني المالية وهو مشابه للفرس فيها، ومقتضى ذلك الزيادة.
إلا أن مشابهته للحر في كونه آدميا مثابا معاقبا، ومشابهته للفرس في كونه مملوكا مقوما في الأسواق، فكان إلحاقه بالحر أولى لكثرة مشابهته له، وليس هذا من الشبه في شئ. فإن كل واحد من المناطين مناسب، وما ذكر من كثرة المشابهة إن كانت مؤثرة، فليست إلا من باب الترجيح لاحد المناطين على الآخر، وذلك لا يخرجه عن المناسب، وإن كان يفتقر إلى نوع ترجيح.
ومنهم من فسره بما عرف المناط فيه قطعا، غير أنه يفتقر في آحاد الصور إلى تحقيقه، وذلك كما في طلب المثل في جزاء الصيد بعد أن عرف أن المثل واجب بقوله تعالى: * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * (المائدة: 95) وليس هذا أيضا من الشبه، إذ الكلام إنما هو مفروض في العلة الشبهية، والنظر ههنا إنما هو في تحقيق الحكم الواجب، وهو الأشبه لا في تحقيق المناط، وهو معلوم بدلالة النص.
ودليل أن الواجب هو الأشبه، أنه أوجب المثل، ونعلم أن الصيد لا يماثله شئ من النعم، فكان ذلك محمولا على الأشبه، كيف وهو مجزوم مقطوع به، والشبه مختلف فيه، وكيف يكون المتفق عليه هو نفس المختلف فيه.
ومنهم من فسره بما اجتمع فيه مناطان مختلفان، لا على سبيل الكمال، إلا أن أحدهما أغلب من الآخر، فالحكم بالأغلب حكم بالأشبه، وذلك كاللعان، فإنه قد وجد فيه لفظ الشهادة واليمين، وليسا بمتمحضين، لان الملاعن مدع، والمدعي لا تقبل شهادته لنفسه ولا يمينه، وهذا وإن كان أقرب من المذاهب المتقدمة إلا أنه مهما غلبت إحدى الشائبتين، فقد ظهرت المصلحة الملازمة لها في نظرنا، فيجب الحكم بها، ولكنه غير خارج عن التعليل بالمناسب.
وقد ذهب القاضي أبو بكر إلى تفسيره بقياس الدلالة، وهو الجمع بين الأصل والفرع بما لا يناسب الحكم، ولكن يستلزم ما يناسب الحكم، وسيأتي تحقيقه في موضعه بعد.