والدوران بهذه القيود متحقق في السكر مع التحريم، فكان دليلا على كونه علة وخرج عليه ما ذكر من الرائحة الفائحة، حيث قطعنا أنها ليست علة، وكذلك الحكم في كل واحد من المتضايفين بالنسبة إلى الآخر، ولأنه يمتنع ترتيب كل واحد على الآخر في الوجود بالتفسير المذكور، وكذلك الكلام في نسبة الحكم إلى الوصف. وخرج عليه أيضا ما إذا ظهر ثم علة مغايرة للمدار.
قلنا: إذا كان من جملة قيود صحة دلالة الدوران ان يكون حدوث ذلك الامر مرتبا على وجود ذلك الوصف بالتفسير المذكور، فاما ان يراد به أن وجود الحكم يتعقب وجود الوصف أو أنه امارة عليه أو باعث عليه، أو معنى آخر والأول ممتنع إذ الكلام انما هو في شرعية الحكم ولا يخفى ان شرعيته تكون سابقة في الوجود على وجود سببها والثاني أيضا ممتنع إذ الكلام انما هو في العلة المستنبطة من حكم الأصل وهي فلا تكون الا بمعنى الباعث على ما سبق تقريره، وعند ذلك فاما ان يظهر فيه معنى يقتضي كونه باعثا على الحكم من مناسبة أو شبه أو لا يظهر ذلك، فان كان الأول فلا يكون باعثا، وان كان الثاني فالمناسبة مع قرآن الحكم بها كاف في التعليل ولا حاجة إلى الدوران، وان كان بمعنى آخر فلا بد من تصويره والدلالة عليه، وقد ترد عليه أسئلة قلنا: ما ذكروه من دوران غضب الانسان مع دعائه ببعض الأسماء بالقيود المذكورة، لا نسلم غلبة الظن بكون ذلك الاسم علة، بل به أو بملازمه، وإنما يظهر كونه علة مع ظهور انتفاء الملازم. والطريق في ذلك إنما هو التمسك بالعدم الأصلي أو بعدم الاطلاع عليه بعد البحث والسبر والتقسيم، ويلزم منه الانتقال من طريقة الدوران إلى طريقة السبر والتقسيم، وهي كافية في التعليل.
وقد ترد عليه أسئلة أخرى مشهورة الجواب، آثرنا الاعراض عن ذكرها، اكتفاء في إبطال الدوران بما ذكرناه، فإنه في غاية القوة والدقة.
وإذا عرف أن الطرد والعكس لا يصلح دليلا على العلية، فالاطراد بانفراده أولى أن لا يكون دليلا، نظرا إلى أن الاطراد عبارة عن السلامة عن النقض المفسد، والسلامة عن مفسد واحد غير موجبة للتصحيح.