ولقائل أن يقول: البحث عن الحكمة في آحاد الصور، هل هي موجودة قطعا وإن كان يفضي إلى العسر والحرج، إلا أنا نعلم أن المقصود الأصلي من إثبات الاحكام ونفيها إنما هو الحكم والمقاصد. فعلى تقدير وجود الحكمة في بعض الصور مماثلة لها في محل التعليل قطعا، لو لم نقل بوجوب التعليل بها في غير محل التعليل. لزم منه انتفاء الحكم مع وجود حكمته قطعا، وذلك ممتنع، كما يمتنع إثبات الحكم مع انتفاء حكمته قطعا فيما عدا الصورة النادرة، وكذلك لو لم نقل بإلغائها عند تخلف الحكم عنها فيصح مع تيقنها، فيلزم منه (1) إثبات الحكم بها مع الضابط مع كونها ملغاة قطعا.
ولا يخفى أن محذور إثبات الحكم لحكمة ألغاها الشارع أو نفي الحكم مع وجود حكمته يقينا أعظم من المحذور اللازم للمجتهد من البحث عن الحكمة في آحاد الصور، على ما لا يخفى.
وعلى هذا، يكون الكلام فيما إذا فرض وجود الحكمة في صورة النقض أزيد منها في محل التعليل يقينا. لكن إن كان قد ثبت معها في صورة النقض حكم هو أليق بها بأن يكون وافيا بتحصيل أصل الحكمة وزيادة ولو رتب عليها في تلك الصورة الحكم المعلل كان فيه الاخلال بتلك الزيادة في صورة النقض، فلا يكون ذلك نقضا للحكمة، ولا إلغاء لها، بل الواجب تخلف الحكم المعلل عنها وإثبات الحكم اللائق بها، الوافي بتحصيل الزيادة لما فيه من رعاية أصل المصلحة وزيادتها فإنه أولى من رعاية أصل المصلحة وإلغاء الزيادة. فإذا انتفاء الحكم في هذه الصورة لا يدل على إلغاء الحكمة بل على اعتبارها بأصلها وصفتها.
ومثال ذلك ما إذا علل المستدل وجوب القطع قصاصا بحكمة الزجر فقال المعترض: مقصود الزجر في القتل العمد العدوان أعظم. ومع ذلك فإنه لا يجب به القطع، فللمستدل أن يقول: الحكمة في صورة النقض، وإن كانت أزيد منها في محل التعليل، غير أنه قد ثبت معها في صورة النقض حكم هو أليق بها، وهو وجوب القتل.