فإنه لا مانع من ورود الشارع بوجوب القصاص بكل جارح، وإن تخصص وجوبه في المثقل بالكبير منه.
وأما الثاني: فهو انتفاء الحكم عند انتفاء العلة (1) والعكس بهذا الاعتبار هو المقصود بالخلاف ها هنا.
والمختار فيه إنما هو التفصيل وهو أن جنس الحكم المعلل، إما أن لا يكون له سوى علة واحدة، أو أنه معلل بعلل، في كل صورة بعلة.
فإن كان الأول، وذلك كتعليل جنس وجوب القصاص في النفس بالقتل العمد العدوان، فإنه لا علة له سواه، فلا شك في لزوم انتفائه عند انتفاء علته، لا لأنه يلزم من نفي العلة الواحدة نفي الحكم، بل لان الحكم لا بد له من دليل، ولا دليل.
وإن كان الثاني: كما في تعليل إباحة الدم بالقتل العمد العدوان، والردة عن الاسلام والزنا في الاحصان، وقطع الطريق، وتعليل نقض الوضوء بالمس واللمس والبول والغائط فلا شك أنه لا يلزم من انتفاء بعض هذه العلل نفي جنس الحكم لجواز وجود علة أخرى: وإنما يلزم نفيه بتقدير انتفاء جميع العلل.
هذا في جنس الحكم المعلل وأما آحاد أشخاص الحكم في آحاد الصور، فإنه يمتنع تعليله بعلتين، على ما يأتي تقريره. وإنما يكون معللا بعلة واحدة على طريق البدل، فلا يلزم من نفي العلة المعينة نفيه لجواز وجود بدلها، لما سبق.
فإن قيل: وإن كان الحكم معللا بعلة واحدة، ولا علة له سواها، في دليل عليه، فكانت مشابهة للدليل العقلي في العقليات، ولا يلزم من نفي الدليل في العقليات نفي المدلول، ولهذا فإن الصنعة دليل وجود الرب تعالى. ولو قدر انتفاؤها لم يلزم منه انتفاء وجود الرب تعالى فكذلك العلة الشرعية.
قلنا: العلة، وإن كانت دليل الحكم، فلا نعني بانتفاء الحكم عند انتفائها انتفاءه في نفسه بل انتفاء العلم أو الظن به ضرورة توقف ذلك على النظر الصحيح في الدليل، ولا دليل. وكذلك الحكم في الصنعة مع الصانع.